حكمة الصحراء وحكيم العروبة

Abstract

حكمة الصحراء وحكيم العروبة عبد الرحمن الوابلي في عام 1932م، زار المملكة الثري والخير الأمريكي تشارلز كرين، وقابل الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله تعالى، ودخل الرجلان في نقاشات متشعبة في عدة مواضيع تهم السياسات الدولية والإقليمية، ومواضيع تتعلق بالتنمية وبناء الدولة الحديثة والحياة بشكل عام. وقد انبهر كرين بما سمعه من آراء سديدة وموفقة وعميقة من الملك عبد العزيز، لم يكن ليتوقع بأن يسمعها من إنسان لم يتخرج من الجامعات الغربية ولم يتشرب حكمة وعلم (الغرب). وإنما سمعها تخرج بعفوية من إنسان لم يخرج قط من محيط نطاق جزيرته العربية. وتشارلز كرين من عائلة صناعية ثرية أمريكية من مدينة شيكاغو، وقد تأسست جامعة شيكاغو العريقة عالمياً على جزء كبير من تبرعات عائلته. وهو ينتمي سياسياً للحزب الديموقراطي، وصديق مقرب للرئيسين ودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت وداعم مادياً لحملاتهما الانتخابية وللديموقراطيين بشكل عام. وقد نصبه الرئيس ويلسون سفيراً للولايات المتحدة في الصين. ويعتبر كرين رحالة من الطراز الأول، فقد جاب العالم وتعرف عليه وعلى ثقافاته عن قرب. وكان يتسابق على لقائه الزعامات السياسية والفكرية، في أي مكان يحل فيه، لما تمتع به من سمعة طيبة في دعمه للمشاريع الخيرية وحب نشر السلام في العالم. وإنسان بحجم تشارلز كرين، من الصعب إبهاره بسهولة، ولكنه وكما ذكر هو نفسه، انبهر كثيراً بشخصية الملك عبد العزيز وانجذب لها. وبالرغم من أن حياة كرين كادت تنتهي على يد مجموعة من الإخوان، عندما كان قادماً عن طريق البر من العراق للحجاز، إلا أنه لم يأخذ ذلك بحساسية شخصية ضد البلد أو الإسلام، وذلك لما يتمتع به من قدرة عالية على الفصل بين ما هو متجذر وما هو طارئ، على الإسلام وبلاد العروبة. ولذلك فهو أول من ركب مكبرات صوت للحرم المكي الشريف، كما أعاد، على حسابه، تدفق المياه في وادي فاطمة ومدها لمكة المكرمة. هذه نبذة قدمتها عن حياة تشارلز كرين، لأمهد للوصول لما أريد أن يصل عبر هذا المقال. وهو أن كرين بعد مقابلته للملك عبد العزيز، كتب رسالة مطولة لصديقه الرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت، تحدث فيها بإسهاب عن شخصية الملك عبد العزيز وتمنى عليه أن يقابله ويسمع منه مباشرة آراءه المتعلقة بالسياسات الإقليمية للمنطقة العربية ومحيطها. ولثقة روزفلت بسداد أحكام كرين، وصوابها، حرص على مقابلة الملك عبد العزيز والسماع....