من القلب إلى القلب مباشرة

Abstract

ربما - من القلب إلى القلب مباشرةسبع سنوات مضت وكأنها البارحة، نقف بعدها اليوم في محضر احتفال شعبي بوجود الملك عبدالله بيننا. والحديث في مثل هذه المناسبة عن رجل مثل خادم الحرمين الملك عبدالله من أسهل الأمور، لأن ما تقوله عنه ليس سراً، بل أمر يعرفه الجميع، لكنني أعود وأذكّر الذين تطاول الزمن على ذاكرتهم فنسوا بأنه كان أول ملك يتفرغ بعد بيعة الرجال في بلادنا لدعوة وفد نسائي للاستماع إليه ومبايعته، وقد ذهب إليه وفدان: وفد لم يطلب منه أي شيء، ووفد طلب منه كل شيء وقد كنتُ ضمن هذا الأخير. وقفنا بين يديه ممثلات عن طيف نسائي من المجتمع، وتحدثنا عن رغبتنا في المشاركة بدور أساسي في مجتمعنا وطلبنا دعمه. المرأة في هذه السنوات السبع حظيت بفرصة ذهبية وإن لم تسفر بعدُ عن ثمارها، إلا أنها كسرت جمود المرحلة وأشاعت وسط الناس فرصة الحديث والاختلاف، وولدت بينهم فكرة جديدة عن المرأة بأنها لم تعد كما بالأمس. وقد حظيت بوعد أخير من الملك عبدالله بدخول المجلس البلدي ومجلس الشورى في الدورة المقبلة. ليست النساء وحدهن محظوظات في عهده، فالإعلام وبحماية منه شهد سقفاً مرتفعاً في التعبير، وبعد أن كانت بعض الأفكار تذهب بكاتبها خلف الشمس أصبحت اليوم من بديهات الخطاب الإعلامي. وبمبادرة من الملك عبدالله منح مركز الحوار الوطني فرصة كبيرة لأنْ يتصارح المجتمع مع أزماته ومع اختلافاته وخلافاته. تواجه فيها أطرف المجتمع بأطيافه ومذاهبه فتقابل السنّي مع الشيعي والإسماعيلي، والمحافظ مع التحديثي مع المتشدد. وقد يكون هذا المشروع قد استنفد كل فرصة، وبقي الحوار متعثراً، لكنه على الأقل زلزل مسلماته المغلقة وحررها من قبضة الصمت والتكتم وغلبة طرف على طرف. تحول كل هذا في عهده إلى مشروع حوار، بدل أن يكون سلاح تخوين وتكفير. في عهد الملك عبدالله حظي القضاء بدعم تطويره، وأنشأ صندوق الفقر، وبدأت رحلة تطوير المناهج التعليمية. هذه المشاريع بدأت في عهده يدفع بها، ويقاوم معوقاتها، لأنها تحتاج إلى عمل مؤسسات جادة، كي تنجح، لكنه وضع قواعدها ووقف عليها. مفاهيم كثيرة مغلقة تم فك قبضتها ومراجعتها وسط فضاء يحرس حريته الملك عبدالله، فتزلزلت أرض مسلماتها. إنها حركة التاريخ التي يحتاج إليها كل مجتمع، كي يتقدم. أطلقت في الفضاء الإعلامي النقاشات حول قيادة المرأة السيارة، مشاركتها في مجالس البلديات والغرف التجارية ومجلس الشورى، مبادئ الحياة المشتركة التي شاعت بين الناس باسم الاختلاط، تجديد وتوسيع فرص عمل المرأة. بدأ الملك عبدالله مشاريع نحتاج إلى وقت طويل، كي نقطف ثمارها، لكنّ مشروعاً واحداً عشناه معه واقعاً أكيداً، وهو مشروع الابتعاث الذي دخل كل بيت، وفتح مجالات تعليم متطور لشبابنا وشابتنا. وكذلك حلمه الذي صار حقيقة بإنشاء جامعة كاوست التي وقفت بشموخ كشرط علمي وتحدّت كل معوق. الملك عبدالله هرب من كل الألقاب، من ملك القلوب، ومن ملك الإنسانية، قانعاً بلقب خادم الحرمين الشريفين، لكنه أسر القلوب بحق، لأنه امتلك قوة السحر التي تقول إنّ كلامَه وفعلَه اللذين يخرجان من القلب يدخلان إلى القلب مباشرةً. balbishr@gmail.com