قاسم مشترك بين أيام البيعة

Abstract

قال لي ونحن نتجاذب حديث الذكرى الأولى لبيعة ولي الأمر: هل من جملة واحدة نستطيع بها أن نكون قاسماً مشتركاً بين كل الملوك الذين مرت بهم هذه البيعة من قبل حتى وصلنا إلى المرحلة الأخيرة. كان صاحبي يبحث عن صيغة إعلان لتجديد عهد الولاء والبيعة فأجبته إن الأمر أقصر حتى من جملة لأن الأهم والأبرز في منجز هؤلاء الملوك يمكن اختصاره في كلمة واحدة: العقل. خلال مئة عام من مسيرة هذه الوحدة حصد السعودي بامتياز نعمة كبرى لم يحصل عليها نظيره المواطن، بالقرب والبعد، فلم ينم ليلة واحدة وهو يتوجل من صباح قادم يجد نفسه فيه وسط أتون حرب. لم يذهب لبيته مرة واحدة يتأمل الخوف في عيون أطفاله وبينهم السؤال السري المكتوم: من سينجو ومن سيغيب قسراً ومن سيبقى لينقل الركام والعظام أو يلملم الجراح في حروب العرب العبثية. كان قدرنا أننا في قلب الخريطة الكونية، ومن أراد تجربة استراتيجية المكان فما عليه سوى شراء خارطة الكرة الأرضية البيضاوية. وناهيك عن أننا أيضاً في قلب الشرق الأوسط، فنحن بامتياز رئة العالم الاقتصادية وبدوننا لا يحتاج كل العالم لأكثر من يوم إضافي ليعود إلى حياته البدائية الأولية الأصلية. كل عوامل المكان والسياسة والاقتصاد تجعل من هذا البلد، وبامتياز، مسرح العالم العسكري لولا نعمة - التعقل - التي حكمت عقول هذه القيادات المتتابعة لأكثر من مئة عام، وكل عام فيها يصبح رماداً في جوار العام الملتهب الذي تلاه. عاش الإمام عبدالعزيز جذور المواجهة العربية الإسرائيلية، وبشهادة أكبر غلاة الثورة الفلسطينية، جورج حبش لو أن العرب استمعوا إلى وصفة عبدالعزيز لما كان لدينا ملف لهذه القضية. سحب فيصل بساط حساباته على عبدالناصر إلى مسرح بعيد وفرَّغ شعبه لحرب البناء وترك لهم استماع لغة الرصاص عبر المواجهة الإعلامية. أدرك خالد بن عبدالعزيز حناجر تصدير الثورة الإيرانية التي لم تترك شبراً واحداً في الخليج إلا وألهبت فيه النار فيما كان شعبه يسبح ببرود في مياهه الإقليمية. واجه فهد بن عبدالعزيز آلة صدام الغادرة فكان كما وصفته نيويورك تايمز: جبل الجليد الذي احتشدت على أطرافه جيوش ثلاثين دولة فيما شعبه يضع الكفوف على الجبل: بارد في صيف ساخن. اليوم ينتقل خادم الحرمين بعد عام من البيعة فلا حديث خلالها إلا عن بناء مدن وتأسيس جامعات وعن حسابات للبناء والفوائض. بعد مئة عام من البيعة لابد أن نسأل السؤال: هل من سعودي واحد يظن أنه مع هذا - العقل - يعيش فعلاً في الشرق الأوسط؟.