تراموي القدس وتجاهل القانون الدولي
الخلاصة
هذا موضوع له علاقة بالشراكة الاقتصادية السعودية - الفرنسية وأبعادها المستقبلية. لقد رفعت زيارة الرئيس جاك شيراك للمملكة مؤخراً على رأس وفد رفيع المستوى وغير مسبوق في تاريخ العلاقات السعودية - الفرنسية من ناحية كبر حجمه الآمال في ترجمة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على الصعيد الاقتصادي، ليكون الاقتصاد مكملاً للشراكة السياسية القوية بين البلدين. لكن معلومة وردت في مقال الأخ أحمد أبو دهمان في 9 صفر الماضي في هذه الصحيفة أصابتني بالدهشة، ومرد هذه الدهشة - والامتعاض أيضاً - التناقض بين احترام وتمسك بلد كبير مثل فرنسا بالقوانين والقرارات الدولية وبين النشاط الفعلي لإحدى شركاته التي كان رئيس مجلس إدارتها ممثلاً في الوفد الذي زار المملكة. يذكر الزميل أبو دهمان - وله كل التقدير لهذا التنبيه الذي أتى في وقته - أن شركتي الستوم وكونيكس الفرنسيتين فازتا بعقد إنشاء وتشغيل خط التراموي الذي يربط القدس الشرقية المحتلة بالقدس الغربية وما حولهما من مستعمرات إسرائيلية، لتحقيق القدس الكبرى وقيمة العقد أربعمائة مليون دولار. وستتكفل شركة الستوم بتمديدات سكك الحديد وتتكفل الأخرى باستثمار هذا المشروع لمدة ثلاثين عاماً. ويقول الزميل الكريم - والكل يوافقه - إن ذلك أحد أحلام المؤسسة الصهيونية، المغتصبة لحقوق الشعب الفلسطيني، والمحتقرة لكل القرارات الدولية. لقد أزعجني هذا الخبر الذي بحثت عن تفاصيل أخرى له في أكثر من مصدر إعلامي وعلى شبكة الإنترنت. الأمر لا يتعلق بمبلغ العقد أو بكونه بين شركة فرنسية والحكومة الإسرائيلية، فالعقود بين الدولتين، بل وبين دول عربية وإسرائيل أكثر من أن تحصى، ولكن مصدر الاستياء يكمن في أن هذا المشروع يضرب عرض الحائط بحقوق الفلسطينيين وبالقرارات الدولية الخاصة بالقدس الشرقية. ويؤيد هذه الحقيقة ويدعمها ما ورد في أحد المواقع الفرنسية (انظر الرابط: http://www.pourlapaixenpalestine.ras.eu.org/article.php3?id-article=525)، الذي يقول حرفياً: (إن هذا التراموي استعماري: إنشاء خط له يتطلب مصادرة مساحات ضخمة من الأراضي الفلسطينية. الهدف من هذا الخط هو ربط مصير القدس بإسرائيل، بينما يناضل الفلسطينيون الذين يستندون على القانون الدولي لكي تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم القادمة، وهذا التراموي سيفصلها - أي القدس - عن الضفة الغربية ويرسخ ضمها لإسرائيل كأمر واقع. إن هذا التراموي أداة لسياسة التمييز العنصري الإسرائيلية. لم يدرج في هذا الخط أي موقف للتراموي في القدس الشرقية، مما يوضح بأن الفلسطينيين سيحرمون من وسيلة المواصلات هذه..). السؤال هو: هل يُقبل أن توافق فرنسا - الحكومة الفرنسية - على مشروع مثل هذا، وهي تفتخر دوماً بأنها دولة القانون؟، وهل تنسجم مشاركة إحدى شركاتها العملاقة مع احترامها للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة؟ من يعلم أن شركة الستوم التي تصنع قطارات النقل السريعة (TGV) في فرنسا وفي العديد من دول العالم تعتمد في مشاريعها على عقود من الحكومة الفرنسية، وتستعين بالحكومة الفرنسية للحصول على عقود في دول العالم، يعرف ما للحكومة الفرنسية من نفوذ وتأثير على قرارات الشركة، وهذا المشروع الذي يصب في خدمة الاحتلال الإسرائيلي البغيض ويعين إسرائيل على تهويد كامل القدس أمر لن يخدم فرنسا ولن يشرفها. أضم صوتي إلى صوت الأخ أحمد أبو دهمان وإلى من سبق وأن ضم صوته إليهم، وبالنسبة لإسرائيل، التي تتدخل لدى دول الاتحاد الأوروبي ولدى الولايات المتحدة الأمريكية لرفض عقد صفقات أو تنفيذ مشاريع في هذه الدولة العربية أو تلك، لن يُستغرب من مناصريها - بتوجيه منها - اتهام من يعبرون عن معارضتهم واستهجانهم لهذا المشروع بأنهم معادون لليهود التي تدعي إسرائيل زوراً وبهتاناً أنها تمثلهم جميعهم. ولحسن الحظ أن جمعيات وشخصيات يهودية ذات ضمير حي تقف في مقدمة المحتجين على مشروع مثل هذا، يشوه صورة فرنسا ويلحق الضرر بمصداقيتها كدولة حريصة على قيم الحرية والعدل في العالم. لقد صدر عن الحكومة الفرنسية تصريح على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية في 26 اكتوبر الماضي، ويقول هذا التصريح المقتضب: (تساهم شركات فرنسية في بناء تراموي القدس في إطار سوق دولي موجه نحو التجارة. إن حقيقة أنها - هذه الشركات - تساهم في هذا المشروع لا يترتب عليه نتائج بالنسبة لوضع القدس الشرقية من وجهة نظرنا. موقفنا بالنسبة للاستيطان في الضفة الغربية وحول القدس الشرقية لم يتغير، وهو أنه - أي الاستيطان - يتعارض مع القانون الدولي). أشك كثيراً في أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية مقتنع بما ورد في هذا التصريح
المصدر-الناشر
صحيفة الرياضرقم التسجيلة
612759النوع
مقالرقم الاصدار - العدد
13775الموضوعات
الاستثمارالاستثمارات
التبادل التجاري
السعودية - العلاقات الخارجية
السعودية - العلاقات الخارجية - العالم العربي
السعودية - العلاقات الخارجية - فلسطين
العلاقات الاقتصادية
تاريخ النشر
20060312الدول - الاماكن
اسرائيلالسعودية
فرنسا
الرياض - السعودية
باريس - فرنسا