نموذج الجوار

Abstract

نموذج الجوار ليست زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى سلطنة عمان، مجرد زيارة مجاملة أخرى بين قادة دول الخليج. لقد مضى منذ زمن بعيد ذلك الزمن الخالي من الهموم، وما زلت اذكر يوم قام عبد العزيز الرواس من خلف مكتبه ووقف في النافذة وتطلع منها قائلا: «يجب أن أتذكر دائما أن إيران لا تبعد من هنا سوى 25 كيلومترا»، لكن ما يجمع بين السعودية وعُمان أنهما دولتان عاشتا في قلب العاصفة منذ ربع قرن وعملتا في الداخل كأنهما في الربيع. وفيما رهنت دول عربية كثيرة النمو والتطور والعمران والتقدم بالصراعات القائمة، تصرفت الرياض وعُمان في برامج التنمية وكأن الصراع في قارة أخرى، وليس على الحدود. وتبدو السعودية وعُمان في الخليج والمنطقة برمتها، مثالا ونموذجا للدولة التي لا تكف عن النمو وليس هناك أي مقياس بشري في أي مكان، يستطيع أن يحدد الأشواط التي قطعتها السعودية وعُمان في التنمية والتطور، منذ ـ مثلا ـ عام 1975 حتى الآن. إن تجارب العمران والبناء والبنى الإنمائية في الدولتين، تشكل انتقالا من عصر إلى عصر، وفيما كان العالم العربي غارقا في الجدل اللفظي والعمليات الكلامية وصياغة التحنيط الشفهي السقيم والممل والفارغ والذي لا يشكل لقمة أو رغيفا أو طريقا أو مستشفى، كانت الدولتان الجارتان تقطعان مسيرات مذهلة من اجل شعبيهما وفي سبيل الناس والحاضر والمستقبل. لا أستطيع أن أتخيل لحظة واحدة كيف تكون عمان اليوم لو أن «ثورة» ظفار قد نجحت، ولا اعتقد أن العمانيين يتخيلون. ولا اعرف كيف كانت ستكون هذه المدينة المذهلة المعمار والنظافة، المدعوة مسقط. ربما كان أهل السلطنة لا يزالون يتلحفون البيانات ويأكلون النظريات. إن هذا التآلف والتحالف بين دولة مثل السعودية في قلب الجزيرة ودولة مثل عمان على طرف الخليج، هو التقاء بين القادة الذين يقللون الكلام ويكثرون العمل، وهذه هي أعلى مراتب المسؤولية وأرقى مراتب العمل السياسي: أن يكون الحاكم ذا قلب، همه الأول الداخل، وذا عقل نير مستنير، يواجه به ما يدور حوله من صراعات ودوائر فارغة مثل التيارات البحرية التي تُغرق المبحرين. في كل هذا الإطار، تبدو زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز حدثا سياسيا مهما، فالحدث ليس فقط في قلق الدول واضطرابها، بل إن الأحداث الأكثر أهمية وعمقا هي التي يظنها الناس زيارات عادية وجزءا من مجاملات القادة وضرورات الجوار. والمجاملة ليست في طبع عبد الله بن عبد العزيز. لا يملك الرجل هذا الترف حتى عند الاضطرار. انه حاكم يعمل أكثر بكثير مما نعرف، ويعنى بشؤون الناس أكثر بكثير مما يبدو لنا. تلك هي أصول الحكم كما تم توريثها: المسؤولية واجب، لا ادعاء، وفرض لا منة.