إرادة التغيير!

Abstract

التغيير من سنن الحياة، ولأنه كذلك فإن الإنسان يعيش صراعًا دائمًا مع تقلبات الحياة ومعطياتها، وبقدر ما يكون مستعدًا لتقبّل التغيير بقدر ما يكون مهيأً للتكيف الذي يحتاجه والذي قد يفرض عليه أحيانًا. والمتمعن في سبل الحياة التي تعيشها المجتمعات في كل مكان من العالم وعبر الحضارات يدرك التباين بين مدى استعدادات الشعوب على تقبل التغيير -بل خلق التغيير- الذي تحتاجه. والتدرج في مراحل النمو والتطور يؤدي إلى تكوين رصيد معرفي لدى الشعوب تلجأ إليه بين حين وآخر لتستمد منه دوافع التحفّز، وتشحذ همم أبنائها لتحقيق انتصارات جديدة تضعها في مواقع أفضل من ذي قبل، ولذلك نرى التفاوت بين مستويات الحياة والإنجازات العلمية لدى المجتمعات الأخرى التي تتقن وسائل التغيير وتوظفها لحل معضلاتها من أجل مستقبل أفضل. والعالمان العربي، والإسلامي جزء من المنظومة الإنسانية وينبغي أن تدركه تيارات التغيير المعاصرة في مجالات العلوم والأنظمة الاجتماعية حتى يستطيع التقدم إلى مواقع أفضل هو أهل لها بحكم تجربته التاريخية ومشاركته في الحضارة الإنسانية، وإن كان ذلك منذ عهد ليس بالقريب ولكنه -أيضًا- ليس بالبعيد لأن الآثار لازالت تشهد بذلك في علوم الرياضيات والطب والهندسة والفلك، والتي لا يستطيع أحد إنكارها، ولكن فتور الإرادة الجماعية في نسيجها الاجتماعي، جعل غيرها يتفوق ويتقدم المقاعد الأولية تاركًا الأمة العربية والإسلامية تلهث، وتستهلك، بدلاً من أن تكون رائدة ومنتجة. كما أن وتيرة التكيف البطيئة وسعت الفجوة بين الدول المتفوقة علميًّا والمترفة بالثراء، وبين الدول المستهلكة لمنتجات الغير، ومع ذلك خلقت العولمة شبكات تحكم وحواجز قد يتصوّر البعض انه من الصعب النفوذ منها، ولكن التغيير السريع الذي يجري حاليًّا في الصين والهند خير مثال على إمكانية التغيير في وقت وجيز إذا توفرت -الإرادة- إرادة التغيير بدلاً من الإحباط والتذمر وانتظار الحلول لتأتي لنا من خارج الحدود! إن مشاهد الاشتباكات حول مسائل خلافية -في شتّى المجالات- في كل الدول الإسلامية، تسبب على مدى التاريخ في إصابة إرادة التغيير في العالم الإسلامي بشلل مزمن يحتاج إلى حلول معاصرة بعيدًا عن التشبث باستنطاق تراكمات خلافية لم تساعد على حلول معضلات الماضي، ولن تعين على التغلب على مصاعب المستقبل، لأنها خلافية -أزمن العقم في رحمها- وليست مجرد اختلافات عابرة يمكن تجاوزها بسهولة، إلى ما هو أجدى وأنفع منها لخدمة الصالح العام. والمرحلة التي تعيشها المملكة العربية السعودية تمثل لحظة تاريخية فريدة يجب استثمارها بحكمة وجدية حاسمة، حيث تتوفر الإرادة القيادية -بعزم وإنسانية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين- مع وفرة الموارد المالية التي تعين على تحقيق إصلاح -مؤسساتي- تنعكس آثاره على المجتمع ككل، ويكون مثالاً يُعتد به، وينظر إليه المسلمون في كل مكان، ويكون قدوتهم لتحقيق تطلعات الأمة، والقيادة الحكيمة هي التي تدرك أهمية التغيير وتبادر لتكون جزءًا منه. إن الحراك الداخلي الذي تعيشه المنطقة العربية، والدور المركزي الذي تتمتع بها أرض الحرمين الشريفين يترتب عليها واجبات.. تعدُّ مسؤولية وتشريفًا في الوقت نفسه.. ينبغي الاضطلاع بها بيقين الواثقين لخدمة الإسلام والمسلمين، وبدون تردد ولا وجل، وإرادة التغيير الملهمة هي السبيل الوحيد إلى ذلك.. والله من وراء القصد.