أعيادنا.. احتفالاتنا

Abstract

اليوم يودعنا شهر التقوى والبركات، شهر رمضان الكريم الذي أُنزل فيه القرآن، على أمل اللقاء والتواصل بعد أقل من عام من اليوم. سيعود هذا الشهر المبارك على أكثرنا بمشيئة الله، ولكن قد يكون هذا هو وداعه الأخير للبعض منا. ندعو الله أن يرحم الجميع، وأن يشملنا بعفوه وغفرانه.غداً هو عيدنا، عيد المسلمين الصائمين الذين مـنّ عليهم الرحمن بالصحة والعافية وأعانهم على صيام رمضان وقيامه. وللعيد أوجه عديدة، ومعانٍ كثيرة، وذكريات لاتنتهي ما أحلاها وأجملها، في جدة تلك التي نعرفها حارة حارة وزقاقاً زقاقاً وبيتاً بيتاً، في «مدينة لاتوجد» إلا في الذكريات الحالمة والخيال الناعس، في زمن ليس ببعيد لازال بعضنا يذكر أحداثه وكأنها بالأمس كانت.وقبل أسبوع فقط احتفلنا بفرح من نوع آخر، هو يوم الوطن، أو اليوم الوطني الذي يخلد ذكرى قيام هذا الكيان الوطني الذي نعيش على ترابه، يوم أن توحدت هذه البلاد المقدسة على يدي المؤسس الأول طيب الله ثراه وأحسن مثواه.ومع بهجة الفرحتين والسعادة الغامرة التي خرجت إلى الطرقات والشوارع العامة في جدة وغيرها من المدن للاحتفال باليوم الوطني، تمنيت أشياء وأشياء، ووقفت في وسط الطريق أتأمل المشهد من سيارتي المتوقفة رغماً عني في وسط شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) في جدة، فلم يكن في وسعي غير ذلك.صف طويل من السيارات المتوقفة على مدى البصر، أو تتحرك بسرعة السلحفاة، وأعداد هائلة وتجمعات غفيرة من شباب تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة ومنتصف العشرينات من العمر، إنتهزوها فرصة للتخلص من الطاقة الجامحة داخلهم.رغم شدة الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة في الجو، خرج هؤلاء الشباب الثلاثاء الماضي ليلاً، خمسون ألف ربما، أو مائة ألف أو أكثر، وانتشروا على امتداد شارع التحلية بجدة، يتمايلون ويرقصون ويسدون الطريق بأجسادهم المصبوغة باللون الأخضر حتى شعورهم ووجوههم، أو بسياراتهم بمختلف الأحجام والأشكال، بينما وقف رجال المرور والأمن في دهشة، يحاولون عبثاً قدر استطاعتهم التعامل مع هذه الفوضى العارمة.أثناء ورطتي وسط هذا الزخم من أجساد وسيارات قرب منتصف الليل، كنت في حيرة، من الذي دعا إلى هذه الاحتفالات ونظمها أو أساء تنظيمها؟ وما معنى هذا كله، هل هذه فرحة عفوية أم فرصة لكسر الروتين اليومي والفراغ القاتل؟ أم هي وسيلة للتخلص من طاقة فائضة لدى الشباب؟ ألا توجد طريقة أفضل وأكثر تحضّراً للاحتفالات....