ملامح من خطاب خادم الحرمين في افتتاح مجلس الشوري
التاريخ
2008-03-21التاريخ الهجرى
14290313المؤلف
الخلاصة
م يغفل خادم الحرمين في خطابه البُعد السياسي حينما عرّج على تحديد مفهوم الحرية، وإتاحة الاستفادة منها لكل مواطن يتوق ويتطلع إلى ترويض مفهوم الحرية.?تتعامل?كلمة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى السعودي مع مستويين من مستويات الأداء هما:?1- المستوى الديني.?2- المستوى السياسي.?فالكلمة في مستواها الديني تُعيد إلى الخطاب نبرة توارت منذ الصدر الأول من عهود التاريخ الإسلامي، حينما كان يقف الخلفاء في خطاب العهد لمواجهة جمهرة المسلمين، مشددين على ضرورة تضافر الجهود للوصول إلى كلمة الحق، مؤكدين على مبدأ الإعانة والتقويم. ومصداق ذلك خطبة أبي بكر الصديق، وخطبة الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- حينما قال أبو بكر: “أيُّها الناس إني قد ولّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني”.?ويروى أن أحدهم قال لعمر: والله لنقومنَّك بحد سيوفنا، فلم يغضب وإنما قال: الحمد لله الذي جعل في أمة محمد مَن يقوّم اعوجاج عمر.?لقد توارى بعد الصدر الأول كل خطاب يحمل مضمون النقد الذاتي، أو تقويم الأمة، واجتازت الأمة عهودًا مرت بحقبة بني أميّة، ثم الدولة العباسية إلى العصر الحديث، مرورًا بعصر الدويلات، ثم العصر المملوكي، والفاطمي، والأيوبي حتى الدولة العثمانية دون أن تلمع في سماء الأمة ومضة إشارة إلى منحى سياسي يقتضى النقد، أو إقرارًا من القيادة باحتمال الخطأ ومحاسبة الذات.?وحينما تأتي مقولة خادم الحرمين الشريفين: (يشهد الله تعالى أنني ما ترددتُ يومًا في توجيه النقد الصادق لنفسي، إلى حد القسوة المرهقة، كل ذلك خشية من أمانة أحملها هي قدري، وهي مسؤوليتي أمام الله جل جلاله. ولكن رحمته تعالى واسعة، فمنها أستمدُ العزم على رؤية نفسي وأعماقها، تلك النفس القادرة على توجيه النقد العنيف الهادف، قادرة – بإذن الله- أن تجعل من ذلك قوة تُسْقِط باطلاً وتُعلي حقًا).?فإنها تجد صدى في النفوس المؤمنة بدينها، والمحبة لوطنها؛ لأنها توقظ الذاكرة لقيم التعامل التي انتهجها الرعيل الأول من خلفاء الإسلام، وتنعش دوحة الأمل لتخضّر في صحراء الجدب والمحل.?فلم يعد أمام كل المسؤوليات الإدارية التي تلي الذروة والقمة من عذر في انتهاج مبدأ محاسبة الذات، وقبل ذلك مراقبة الله في أداء المهام المنوطة بها.?لقد شكّلت هذه الرؤية منعطفًا في القيادة والإدارة على المستويين العربي والإسلامي؛ لتؤكد حقيقة تضمنها ذلك الخطاب وهي: أن القيادة أمانة ومسؤولية، ولذلك أردف خادم الحرمين حديث النقد بقوله: (ولنتذكر جميعًا أننا مسؤولون أمام الله، ثم أمام شعبنا ووطننا، نستحضر في كل أمر قوله تعالى: “ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”).?ولم يغفل خادم الحرمين -وفقه الله وأعانه- في خطابه البُعد السياسي، وهو مستوى الأداء الآخر الذي نلمّح إليه في هذه العجالة، حينما عرّج على تحديد مفهوم الحرية وإتاحة الاستفادة منها لكل مواطن يتوق ويتطلع إلى ترويض مفهوم الحرية لخدمة الوطن، ومؤازرته في تحقيق منجزه الحضاري؛ للحاق بركب الأمم المتقدمة، واهتبال الفرص المتاحة لكل الأفراد على حد سواء، خاصة أصحاب النفوس الطامحة، حينما يتضمن الخطاب قوله -رعاه الله-: (الحرية تكون في التفكير، والنقد الهادف المتزن، والمسؤولية أمانة لا مزايدة فيها، ولا مكابرة عليها.. فبها -بعد الله- نصون حريتنا، ونحدد معالمها، ونقول للعالم: هذه قيمنا، وتلك مكارم أخلاقنا التي نستمدها من ديننا.?أقول ذلك لكم مؤكدًا أن الحرية المسؤولة هي حق لكل النفوس الطاهرة المحبة لمكتسبات هذا الوطن الروحية والمادية. ليبقى شامخًا عزيزًا متفوّقًا في زمن لا مكان فيه للضعفاء والمترددين).?بقى أن نشير إلى أن الخطاب ليس كلمةً تُقال في مناسبة سياسية أو احتفالية سنوية، بقدر ارتقائه إلى مستوى المشروع الوطني الهادف للإصلاح، والمتطلّع إلى التقويم. وحينما تبدأ الخطوة الأولى من سدّة الحكم، يتعين أن تستمر رحلة الإصلاح لتشمل كافة قطاعات الدولة، بل وكل مواطن أيًّا كان موقعه، وأية كانت مسؤوليته.?إن الرؤية جماعية، وتنسحب على كافة أطياف المجتمع، لم تستثنِ المسؤولية بالمحاسبة والمراقبة والتقويم فئةً دون أخرى، ولا فردًا دون بقية الأفراد.?إن الوطن والنهوض به أمانة، يجب أن ننهض بها جميعًا؛ لنضع عربته في مقدمة ركب التقدم والتطور في زمن لا يلتفت فيه مرتفقو العربات إلى الوراء.
المصدر-الناشر
صحيفة المدينةرقم التسجيلة
737706النوع
مقالرقم الاصدار - العدد
16403الهيئات
مجلس الشورى - السعوديةالمؤلف
جميل محمود مغربيتاريخ النشر
20080321الدول - الاماكن
السعوديةالعالم الاسلامي
العالم العربي
الرياض - السعودية