أسئلة ما بعد الانفجار

Abstract

أسئلة ما بعد الانفجار أما وقد هدأت المدافع على الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية فإن الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالوضع الداخلي اللبناني والمعادلة الإقليمية برمتها في مرحلة ما بعد العاصفة أصبحت على الألسن كلها، في إطار وعي عام بان الحقبة الحالية مفصلية في تاريخ المنطقة. ولئن كان من التسرع والمغامرة استكناه آفاق التحولات الأخيرة، إلا انه يمكن الوقوف عند بعض المعطيات المحورية التي تستدعي الانتباه. أولى هذه المعطيات تتعلق بإشكالية الخيار الاستراتيجي العربي للخروج من الأزمة الراهنة في ما وراء الابتهاج المشروع بالخسائر الإسرائيلية خلال العدوان الأخير على لبنان الذي أخفق جليا في تحقيق غاياته. إلا أن الرهان على صمود حزب الله في حسم الصراع مع إسرائيل رهان خاسر ولا يغني عن واجب البحث عن رؤية استراتيجية عربية جديدة للخروج من المأزق المتولد عن انهيار عملية التسوية السلمية وتغير المقاربة الجيوسياسية الأمريكية لأوضاع المنطقة الشرق أوسطية. وإذا كان البعض يلوح بالرجوع لمنطق المواجهة المسلحة مستنتجا من نجاحات المقاومة اللبنانية جدوائية هذا المسلك وواقعيته، إلا أن هذا الرأي يقوم على مغالطة جلية للعيان قوامها الخلط غير المبرر بين أسلوب المقاومة الشعبية المحدودة والخيار العسكري التقليدي دون مراعاة موازين الأمن الإقليمي التي لا يمكن إنكار واقع اختلالها لصالح إسرائيل. صحيح أن حقائق الوضع الميداني في الساحتين الفلسطينية واللبنانية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك عقم استراتيجية الضربة العسكرية التقليدية في مواجهة ديناميكية المقاومة الشعبية، كما أن تطورات الصناعة الصاروخية قد وفرت أسلحة محدودة التكلفة لحركات المقاومة، إلا أن فاعلية هذا الأسلوب من المواجهة مشروط بعاملين أساسيين هما: التأطير السياسي والدبلوماسي لهذه الديناميكية من جهة وشرعية الإجماع الوطني الداخلي من جهة أخرى. وبدون هذين الشرطين يمكن أن تتحول المقاومة إما إلى حركة عنف عدمية فاقدة للأفق السياسي أو إلى طرف سلبي في صراع داخلي يفقدها شرعيتها. ولذا فالتحدي الأكبر المطروح اليوم في الساحة اللبنانية هو الاحتواء السياسي لحزب الله ضمن المنظور الشرعي اللبناني في إطار المشروع الهادف إلى توطيد الدولة المركزية وإلغاء الاستقطاب الطائفي وتعمير البنية التحتية المنهارة. وفي ما وراء الملف اللبناني تطرح على المنطقة العربية تحديات جسيمة تتصل بالأفق الأوسع للاستراتيجية الإقليمية العربية التي لم تستطع أن تتأقلم خلال السنوات الأربع الأخيرة مع تحولين بارزين استجدا بعد مرحلة مدريد ـ أوسلو هما: ـ انتظام الرؤية الأمريكية للدائرة الشرق أوسطية في منطق الحرب المعلنة ضد الإرهاب، بما يعني إعادة تحديد طبيعة أولوياتها الإقليمية وإعادة تجديد بنود تحالفها العضوي مع إسرائيل وإدماج العامل الثقافي الديني في الصراع وإدماج التحول الديمقراطي الداخلي في منظور الأمن الإقليمي. ـ تأثير المأزق العراقي على الأوضاع الإقليمية في مستويين رئيسيين هما: انعكاس التدخل الأمريكي على التوازنات القائمة، وانبثاق العامل الطائفي محددا جليا في صراع داخلي أصبح يتجاوز الحيز العراقي نفسه ويطرح تحديات صعبة وخطيرة على السلم الأهلي في المنطقة التي تتهددها الأصوليتان السنية والشيعية اللتان تخوضان حاليا حرب المساجد والأضرحة في العراق. أما ثاني المؤشرات الذي يستدعي وقفة تحليل فهو التحدي الذي تطرحه راهنا علاقة المنطقة العربية بقوتين محوريتين من قوى الجوار الجغرافي هما إيران وتركيا. فعلى الرغم من أن العلاقة بهاتين القوتين الإقليميتين تشكل محورا ثابتا من محاور الأمن القومي العربي، إلا أن العديد من المستجدات قد طرأت في الآونة الأخيرة تستحق الإشارة من بينها رجوع تركيا لاعبا أساسيا في الدائرة الإسلامية الواسعة، وترجمة هذا الخيار في السياق الداخلي بوصول التيار الإسلامي المعتدل للحكم، الذي جعل من اهتماماته الأساسية مراجعة الأولويات الاستراتيجية التركية من الإطار الأوروبي إلى الاطار العربي ـ الإسلامي. وقد انعكس هذا التحول في مؤشرات بارزة من آخر تجلياتها النتائج التي ترتبت على زيارة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لأنقرة. أما إيران فقد هيمنت خلال السنة الجارية على الأجندة الشرق أوسطية في مستويات ثلاثة على الأقل هي: انعكاس أزمة ملفها النووي، وحضورها المحوري في الأرضية العراقية الملتهبة، وتأثيرها في الساحة اللبنانية وعلاقة هذا التأثير بالحرب الأخيرة. ويمكن أن نقرأ خلف التصريحات الدبلوماسية المطمئنة أزمة ثقة متفاقمة بين إيران وجيرانها العرب الذين لا يخفون امتعاضهم من الدور المتزايد للدولة الفارسية في القضايا العربية الداخلية وفي مقدمتها بطبيعة الحال الفتنة الطائفية المقيتة التي بدت نذرها في ساحات عديدة. صحيح أن الموقف الاس