الحوار الفكري وسلطة الخصوصيات
التاريخ
2006-12-13التاريخ الهجرى
14271122المؤلف
الخلاصة
الحوار الفكري وسلطة الخصوصيات علي بوخمسين برهنّا عن جدارة في استشعار الضغوط التي تحيط بنا، ربما لأن أنفاسها الساخنة تلفح وجوهنا وتحاصرنا من كل صوب، أو قد يكون ذلك بسبب يقظة وعي وطني تحركه ارادة لاختراق واقعه قبل أن يداهمه واقع الآخرين. ندرك بأن ثمة ما ينبغي عمله، قراءة العالم عبر الحدود الوطنية والثقافية أولاً، وتأسيس رؤية وطنية متماسكة حول حاضرنا ولحظته التاريخية دون الالتجاء إلى أية منظومات أو نظريات فكرية مناقضة لقيمنا الإسلامية والعربية ثانياً، ولكن دون اغفال لانتمائنا إلى إنسانية تتسارع خطاها نحو صيغة اندماجية وأنظمة تكامل اقتصادي ومعرفي، يفرض نفسه بثبات على المعمورة ويعد بإهمال الشعوب العاجزة عن التفاعل مع حركيته ويهددها بالانجراف، ويدفع بتطور استثنائي في التاريخ، لكونه تحركاً مسنوداً بقوى مالية هائلة تمسك بمقدرات العلم والاختراع، ورغم الانقسامات الفكرية وتوزع الضمير الإنساني حيال ذلك، فإن ما يسمى بتيار العولمة يتصف بشمولية كاسحة، حيث يسعى بالضرورة لتعميم قيم ثقافية تتخطى الجانب الاقتصادي لتطال المواقف والأفكار وصولاً إلى ازاحة أية قيمة حضارية مناقضة لمبدأ المنفعة بفجاجته الصادمة. إن دوافع هذا الاتجاه هي من الثبات والقوة بحيث أن التصدي لها لن يكون مجدياً في شروط الواقع العالمي الحالي على الأقل وهذا ما تؤكده الانتفاضة المتفجرة للصينيين والهنود، الذين قدّموا صوراً ناجحة لاستخدام المرونة وتوظيف الذكاء لتمرير مشاريعهم الوطنية الطموحة التي لا تحظى بالاحتفاء من قبل القوى النافذة. اننا لا نكل عن الحديث حول ضرورة تفسير الواقع الإنساني الذي يجري إعادة تأسيسه لكي نفهمه ونستوعبه، وهناك شعور صادق بأن برامجنا الوطنية ستولد كسيحة حتماً، إذا اختارت أن تنعزل عن برامج العالم، ولقد تم تأكيد ذلك على أعلى المستويات ودون لبس، القائد الأعلى للبلاد خادم الحرمين الشريفين لا يترك مناسبة دون أن يمنح مبدأ التلاؤم مع العالم شحنة جديدة من الحيوية والمعنى، قال مرة لا يمكننا أن نظل واقفين وحدنا بينما يركض العالم ويتغير. لم يستطع هذا الوعي أن يجرف ما يطوقه، ظل محاصراً بطوفان من الإشكاليات، فلم يتحول بعد إلى تيار تاريخي قادر على اعطاء المرحلة سمتها التأسيسية المنتظرة، فلكي تحظى مرحلة ما من التاريخ بهذه المرتبة، عليها أن تمسك بالزمن المسرع، أي بوقائعه الممتطية متنه وترغمها على الثبات في أشكال القواعد والأسس التي يقوم عليها بناء صاعد للمستقبل، على المرحلة التأسيسية أن تتعلم رسم الخطوط المستقيمة التي تخترق انحناءات الأزمان المكرورة. فعل التأسيس ولحظات التاريخ الأصيلة، هو ما يبزغ داخل القراءة الأصيلة ومنظومات الفكر الصادق التي تتسع دوائرها لتشمل العالم وتتصدى لدفع المداميك والأعمدة إلى قلب التربة الوطنية، ولكن ليس قبل بلورة استراتيجيات التأسيس عبر اختبارات التربة وتحليل أعماقها وادراك اتجاهات التاريخ ومسارات العالم، وقبل ذلك رصد الواقع الإنساني الوطني دون نرجسية قد تغري في اسباغ فضائل وصفات نتمناها ولكننا لم نحرزها بعد، فكم أفسدت عشوائية الهوى نوايا صادقة وسدت الأفق في وجه همم عالية. تمهيد الطريق نحو الفعل التأسيسي، يستهل زمنه بجهد تأهيلي وتعبوي شامل، لم يبلغ مداه بعد في وطننا، منطلق التأسيس هو التمعن النزيه والمتجرد لمعطيات الحاضر في مناحيه الاجتماعية والثقافية والسياسية، والتجول الحر في دروب الواقع وأزقة مكوناته بالانكباب على فحص حقائقه عبر موضوعية تحتمل تقبلها والاعتراف بها كما هي، قبل أن تشرع بالتعامل معها، هنا على الجهد التعبوي والتأهيلي أن يتجه نحو غرس صفة إنسانية لم تألفها الذهنية العامة وقد لا تستسيغها، قابلية الرؤية ببصر ينقل خطوط الصورة وألوانها كما هي إلى عصب البصيرة، لكي تشرع في الاشتباك معها وفق زوايا تحددها خرائط تعكس الأشياء كما هي ماثلة في العالم الموضوعي، لا يجدر بهذا العمل التعبوي أن ينتمي إلى مرتبة التأسيس فحسب ولكنه تأسيس للتأسيس نفسه، المسألة الآن هي في اختراق هذا الطوفان الذي يحاصرنا من المهام العاجلة ومستجدات المحيط الإقليمي التي يتطاير الشرر من معظمها، فسحة من الوقت لاسترداد الأنفاس ومعاينة المحاور الرئيسية التي تحملنا إلى المستقبل، التفاتة فاحصة لما تم انجازه من أجل استعادة التوازن ومراجعة الأسس. أوضاعنا الحالية تقدم اغراءً للاسترخاء على وسادة الموارد المالية الوثيرة، ولكنه في الوقت نفسه يؤجج مخاوف صادقة على المستوى الوطني من قمته إلى قاعدته، في أن تفتح البلاد عينيها في يوم لا سمح الله بقدومه على قبضة من الريح، ولا تشكل مثل هذه المخاوف فرادة بين شعوب العالم، المستقبل يظل هاجساً إنسانياً مشتركاً، ولكنه لم يعد مجهولاً باطلاق في آماده المنظورة، حيث يحمل الحاضر الماثل للمشاهد الفاحص بعض ملامحه، وحي
المصدر-الناشر
صحيفة الرياضرقم التسجيلة
412599النوع
مقالرقم الاصدار - العدد
14051الموضوعات
السعودية - العلاقات الخارجية - العالم الاسلاميالسعودية - العلاقات الخارجية - العالم العربي
المؤلف
علي بو خمسينتاريخ النشر
20061213الدول - الاماكن
السعوديةالعالم العربي
الرياض - السعودية