مناخ جديد للاضرابات في المغرب

Abstract

مناخ جديد للإضرابات في المغرب محمد الأشهبالحياة- 16/05/08// أكبر من قدرته على التحمل، لا يستطيع المغرب أن يستوعب المزيد من التصعيد بين المركزيات النقابية والحكومية. ففي أقل من اسبوع ينفذ إضرابان عامان، فيما عجلة النمو تترنح تحت ضربات الكلفة المرتفعة لاستيراد الطاقة ودعم المواد الاستهلاكية الأساسية. وكما لا يبدو أن في إمكان حكومة رئيس الوزراء عباس الفاسي أن تعطي أكثر مما تملك، فليس في وسع المركزيات النقابية أن تطفئ غضب الشارع في غير تصعيد الاحتجاج. نقطة الضوء في شد الحبل أن الاضراب العام في المغرب لم يعد يبعث على القلق، أقله أنه يمضي مثل أي ممارسة لحقوق دستورية من دون حدوث الانفلات، فقد دأب المغاربة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي على الربط بين الاضرابات العامة وحدوث المزيد من أعمال العنف والقلاقل المدنية الى درجة أنه لا يمضي وقت أطول من دون اكتشاف مقابر جماعية لضحايا تلك المواجهات التي اتسمت بالافراط في استخدام القوة، في مقابل افراط مماثل في إضفاء أبعاد سياسية على حركة الاضرابات. وقتها كانت المواجهة مفتوحة وكانت الأحزاب الرئيسية في المعارضة تلوذ نحو تحريك الشارع عبر المركزيات النقابية المحسوبة عليها، ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته هذه الأخيرة بتزامن مع حدوث تحول نوعي في نظرة النظام الى الأحزاب وسعيه لاستبدال ثقافة الإقصاء والاحتجاج بثقافة الانفتاح والمشاركة. بين آخر اضراب عام في 1996 والتصعيد الراهن تغيرت أشياء كثيرة، أقربها أن أحزاب المعارضة السابقة انتقلت الى واجهة تحمل المسؤولية الحكومية، فيما انشطرت نقابات وبرزت أخرى، لكن الشيء الأساسي ان الضرورات التي حتمت اللجوء الى اضرابات الأمس لا تزال هي نفسها مع علامات فوارق تفرز خيوط الالتباس بين ما هو سياسي وما هو نقابي واجتماعي صرف. وفي غضون ذلك ترسخت معالم واقعية سياسية تسمي الفقر فقراً والتهميش تهميشاً والضعف ضعفاً. وتراهن على كسب المعركة ضد التخلف بحشد قيم التضامن والقطع مع سياسة الاستعلاء. لم يفرح المغاربة بشيء أكثر من مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز منح بلادهم هبة بمبلغ 500 مليون دولار للمساعدة في التغلب على فاتورة استيراد الذهب الأسود. ففي دلالاتها الرمزية ان التضامن يثمر قيم التآخي بين فئات المجتمع، لكنه يؤسس علاقات جديدة بين الدول تبلور معاني التآزر والتآلف والإخاء. قد يروق لدول أن تقيس علاقاتها بمدى تطابق المواقف السياسية والانجذاب الى هذ التصنيف أو ذاك، غير أن العلاقات بين الدول لا تعني أن كل شيء على ما يرام حين لا تكون هناك مشاكل ثنائية أو متعددة الأطراف، وانما الأصل في قياس درجات الارتقاء يجسّده التضامن الذي يبقى قيمة فوق التصنيفات. أبعد من الدلالات الرمزية للمبادرة السعودية أنها تأتي قبل انعقاد القمة الاقتصادية العربية في الكويت مطلع العام القادم. وإذ تستبق في جانبها الإرادي الخلافات التي سيؤول اليها حوار القادة العرب، فإنها تتجاوز ذلك نحو إرساء تقاليد جديدة في العلاقات بين الدول تعزز مبدأ المساعدة في التنمية. ومن المفارقات أن هذا المبدأ الذي تغنّى به الاتحاد الأوروبي طويلاً في كل مناسبة تطرح فيها اشكالات الهجرة غير الشرعية والانعكاسات السلبية لظاهرة الجفاف وانحباس الأمطار وتمدد التصحر لم يلجأ مرة واحدة الى بلورة المبدأ بطريقة ملموسة وعادلة في غير الفضاء الأوروبي. بل ان المغرب في مواجهة انواع الصعوبات الاقتصادية لم يدخر جهداً في تفهم مشاكل دول افريقية صغيرة. ما يعني ان التضامن العربي - الافريقي سيظل أجدى في تكريس هذه القيم. ولأن الجوار مهما كانت نوعية العلاقات بين أطرافه يشكل المجال الحيوي لترسيخ مفاهيم التضامن والتآزر فإن الحاجة تتعاظم أمام دول الشمال الافريقي ذات الموارد المتنوعة والقدرات البشرية الهائلة والمستقبل المحفوف بالأمل لتتوقف ولو مرة واحدة أمام حقيقة أن قوتها في تضامنها، وأن تضامنها يعيد للمنطقة أدواراً عربية وافريقية غيّبتها الخلافات. في أقل من اسبوع يكون الموعد مع اضراب عام آخر في المغرب، والأكيد أنه مثل غيره لن يحيد عن مربع استقرار التضامن.