الملك .. صوت الشعب

Abstract

الملك .. صوت الشعبلم يفاجئني صدور البيان الملكي الخاص بمأساة جدة.. ولم أستغرب توقيته الذي جاء في أول يوم يتلو انتهاء مناسك الحج.. فبالرغم من عظم الفاجعة وفداحة الخطب إلا أن أنظار الدولة والمليك قد ظلت شاخصة نحو الواجب الوطني والديني والإنساني الأعظم وهو خدمة حجاج بيت الله الحرام والحرص على استكمالهم لأداء فريضتهم في أمن وسلامة وصحة وطمأنينة.. وانصرفت جدة تضمد جراحها وتدفن شهداءها وترفع أنقاضها وتواسي أبناءها وهي واثقة من أنها ليست بعيدة عن قلب مليكها ولا عن دفء أحضانه، ولئن بادر البعض «ليبشروا» المتضررين بأن الدولة لن تعوضهم عن سياراتهم التالفة أو ليحملهم مسؤولية ما حدث لهم إما بسبب ذنوبهم أو بسبب عدم تمكنهم من السكن في أحياء أكثر أمنا وسلامة، فلقد جاء البيان الملكي ليطمئن المواطنين على ممتلكاتهم التي فقدوها وليؤكد لهم أن ابن هذه البلاد لا يقل غلاوة وعزا عند ولاة الأمر وفي عيون مواطنيهم عن أبناء البلدان التي تسارع إلى رعاية المنكوبين فيها والمتضررين، ولئن سارع آخرون إلى التهوين من حجم الكارثة أو التقليل من شأنها، فلقد جاء البيان الملكي ليؤكد مبدأ أن ما حدث ليس مقبولا على الإطلاق وأن الدولة والمجتمع الذي يسعى إلى اللحاق بركب العالم الأول لا يمكن أن يتغافل عن حقيقة أن ما حدث لا يليق بالعالم العاشر، وإذا كانت الأقلام قد انبرت لتلقي بالتهم جزافا ولتخلط الحابل بالنابل فلقد جاء البيان الملكي ليطالب بتحديد أوجه الخلل بدقة وليثبت مبدأ المساءلة وليوائم بين حجم التأثير ومدى المسؤولية.. والبيان في ذلك كله كان تعبيرا صادقا وأمينا عن صوت الشعب وعن أنين المكلومين واستغاثة الضعفاء والمحرومين.إنني أثق في أن اللجنة التي شكلها خادم الحرمين الشريفين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل سوف تتمكن بإذن الله من وضع النقاط على الحروف ومن الإجابة على تساؤلات المواطنين ومن إيجاد الحلول الناجعة ومن تحديد المسؤولية ومن تحويل الأزمة إلى فرصة والمساعدة على اتخاذ الإجراءات الفعالة الجريئة الحاسمة التي تعالج مشكلات جدة بشكل جذري ومتكامل، وإنني أتطلع إلى أن تسعى اللجنة إلى معرفة ما آل إليه مشروع الصرف الصحي وأسباب التأخر في إتمام تنفيذه، ومعرفة ماذا تم في مشروع حماية جدة من السيول وهل نفذ هذا المشروع كليا أو جزئيا أو لم ينفذ ولماذا، وأن تتعرف على مدى ما نفذ أو لم ينفذ من مشاريع تصريف مياه الأمطار ومدى كفاءتها وملاءمتها لاحتياجات مدينة جدة، وأن تبحث في جذور وتفاصيل نشأة الأحياء العفوية وخاصة ما تم بناؤه منها في مجاري الأودية، وأن تسعى إلى إيجاد صيغة مناسبة لحلول شاملة تكاملية لقضية الإسكان الميسر، وعدم الاكتفاء بالحلول التجارية للمناطق المجدية اقتصاديا وإنما إقران ذلك بمسألة توفير المساكن منخفضة التكلفة، وكذلك ضرورة إيجاد فرص التنمية ووسائل الخدمات التعليمية والطبية في المناطق المختلفة بما يساعد على الحد من الهجرة إلى المدن الكبرى وتقليص ما صار يعرف بترييف المدن.. ثم إنني أتطلع إلى أن تسعى اللجنة إلى معرفة مدى كفاءة عمليات الصيانة ومدى فاعلية خطط التعامل مع الأزمات لدى مختلف الأجهزة الخدمية البلدية والأمنية والصحية وغيرها.. إن اللجنة إن تمكنت من الوصول إلى هذه النتائج فإنها ستكون قد ساعدت أهالي جدة على أن يحتسبوا شهداءهم عند الله سبحانه وأن يرددوا قوله سبحانه وتعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم».ويبقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز صوتا للشعب ومنارة لآماله وقلبا يحتوي أبناءه وقلعة يحتمي بها مواطنوه وملاذا لهم بعد الله في السراء والضراء.