الاختلاط والمعجزة الثالثة

Abstract

تركي عبدالله السديري وجود ثقافة فقهية متمكنة أفضل بكثير من التوقف عند اجتهاد فقهي محدود، هذا التميز بين المفاهيم أفترض به وجود الرغبة المشتركة في الوصول إلى مسلك الصواب.. خصوصاً وأن الإسلام أتى بلغة المنطق واحترام الإنسان، رجلاً وامرأة.. وقد ملك قابلية أفضل من أي معتقد آخر بتطوير حياة الإنسان.. ومن مصلحة مستقبل مجتمعنا أن تكون بيننا لغة تفاهم وحوار، وتلك فضيلة أتاحها الملك عبدالله مبكراً، حيث يصل بنا الحوار حتماً إلى أخوة الوئام.. إن كلمة اختلاط هي تعبير مستحدث ولا يتواءم معنى ومضموناً مع تعبير الخلوة.. ومثلما أشار معالي الدكتور محمد العيسى وزير العدل هناك فرق شاسع بين تعبير اختلاط يعني التجمع المحترم في مجال بيع أو حوار طب أو نقاش علم أو تواجد سير في ميدان أو شارع وبين الخلوة المحرمة.. كيف تكون خلوة لامرأة برجل وفي الصالة أو الشارع أو الطائرة أو المستشفى أو الجامعة ما يتجاوز العشرات في مجالات عمل مختلفة، لو تم الجزم بهذا التصور لتحتمت ممارسات عزل قاسية مضحكة تستلزم سراديب سير تنتقل بها المرأة من مكان لآخر.. ويحرم عليها احتراف مهن مشتركة.. الدكتور محمد العيسى، وهو الذي برهن عن تمكن فقهي وثقافي، تساءل عن الفروق في تواجد للمرأة مع الرجل وهم جزء من مجموع نساء ورجال يتداولون رأياً أو ينجزون عملاً، وبين أن يتم هذا الاختلاط عبر مقصد تعبدي في الطواف بالكعبة المشرفة والسعي بين الصفا والمروة، أو رمي الجمرات.. ويكرر التأكيد أن جامعة الملك عبدالله انتقال علمي وحضاري سوف يرصد على أنه أهم نقلة تقدم اجتماعي وعلمي في تاريخنا المشرف بما ستقدمه من مكاسب، وأنها لم تأت افتعالاً، ولكنها نتيجة تفكير وتخطيط واستطلاع تجاوز سنوات طويلة.. في نفس عدد يوم السبت كتب الدكتور أنور أبو العلا مقاله المتواصل في جريدة «الرياض» في الملحق الاقتصادي وحدثنا عن قرية «ثول» التي كانت مجرد استراحة للعابرين بين مكة والمدينة ولا ينتعش المقهى فيها إلا حين يأتي موسم الحج.. قرية صغيرة تماماً ومعدومة الإمكانيات تقريباً.. فجأة سوف تصبح مدينة علمية مرموقة عالمياً، بل تعتبر الخطوة الثالثة في تاريخ الصحراء الجرداء.. أعجبتني المقارنات.. يرى الدكتور أبو العلا أن الحضور الإسلامي الهائل الامتداد والتطوير البشري لعرب البادية والعزلة والحروب أتى به النبي الكريم معجزة أولى في بلد هو وادٍ غير ذي زرع أو ماء عدا بئر زمزم.. حدث ذلك قبل 14 قرناً، ثم قبل سبعين عاماً أنجز المؤسس التاريخي الملك عبدالعزيز مصدر التطور الحقيقي لعرب البادية بعد أن خرج البترول من باطن الأرض ليعرف أبناء القرية والقبيلة أهمية أن يكون هناك مجتمع علمي حضاري تم إنجاز احتياجاته وتعليمه وتطوير قدراته.. ثم تأتي المعجزة الثالثة.. يقودها عبدالله بن عبدالعزيز الذي استبق هذا الإنجاز الذي كان حاضراً في ذهنه بتوفير أرضية إعداد علمي توفر بمضاعفة عدد المبتعثين عشرات المرات وتنوع قدرات مجالات العلوم والاقتصاد عبر مشروعاته الكبيرة، فتأتي مناسبة أن تكون جامعة علمية ستعطي نتائجها حقيقة كونها المعجزة الثالثة..