ذكرى البيعة: بعيداً عن الكلام

Abstract

ذكرى البيعة: بعيداً عن الكلام محمد السحيمي بعيداً عن الكلام ـ للتذكير ـ هو عنوان الفيلم الذي قدمته المخرجة، والسينارست الباذخة العفوية/ هناء العمير، ولقي استحساناً كبيراً من المهتمين، بعد أن صُنِّف ضمن الأفلام الوثائقية، وهو في الواقع قد تجاوز ذلك، وأوغل في الفنِّية، حتى بدا الحدث التاريخي ـ قدوم فرقة موسيقية غربية إلى المملكة ـ مجرَّد نافذةٍ صغيرة انطلقت منها حمامة الخيال بعيداً، وحلَّقت مرفرفةً بما تميزت به المخرجة من ذكاء الالتقاط، الذي هو الحد الفاصل بين الفنان وغيره في التعاطي مع تفاصيل الحياة! ولو ركَّزت على مشهد الحوار المدهش بين العود والقيثار فقط؛ لكفاك تشكيكاً في دقة التصنيف! إضافة إلى الأسئلة الكثيرة التي يثيرها الفيلم، وأهمها هنا هو: ما الفرق بين التوثيق التاريخي، والتوثيق الفني؟ أهو نفسه الفرق بين المؤرخ الأكاديمي، والفنان؟ أي الفرق بين أبي الطيب المتنبي في قصائده عن سيف الدولة، أو كافور الإخشيدي وأي كتاب سردي تاريخي؟ ومن يصنع هذا الفرق إلا المتلقي ذاته، في لحظة وعي صارخة، بين قراءته لواقعة بناء ثغر/ قلعة حمراء، يسجلها المؤرخ بالوثائق المادية المحايدة، وبين معايشته لإحساس فنان يحيل الحدث العادي ملحمة بطولية للممدوح:هل الحدَثُ الحمراءُ تعرفُ لونَها * وتعلمُ أيُّ الساقيين الغمائمُ؟سقتْها الغمامُ الغُرُّ قبل نزوله * فلما دنا منها سقتها الجماجمُ!بناها فأعلى، والقَنَا تقرعُ القَنَا * وموجُ المنايا حولَها متلاطمُوكان بها مثلُ الجنونِ فأصبحت * ومن جثث القتلى عليها تمائمُطريدةُ دهرٍ ساقَها فرددتَها * على الدين بالخطِّيِّ والدهرُ راغمُفماذا كان سيقول هذا الفنان، لو كان مسؤولاً في التلفزيون السعودي، وشهد أربع سنواتٍ من حكم ملك القلوب، تعدل ـ كما قال أستاذنا/ عبدالرحمن الوابلي أمس ـ أربعة عقودٍ من حيث أهمية الإنجازات؟ كم هو مؤسفٌ أن لا يرتقي بعض الزملاء في التلفزيون السعودي لمستوى الحدث! فرغم الجهود المضنية، التي لا ينكرها منصف، إلا أنها جاءت قراءةً مكرورةً بائسة، لما يمكن أن تطالعه أنت في صحيفةٍ، أو في بروشور مطبوع، بل إن بعضها لم يبلغ حتى مستوى البروشور، كأن يقرأ المذيع: وكل المواطنين يلهج بالدعاء بطول العمر لخادم الحرمين الشريفين، والصورة على أحد المجسمات الجمالية! لقد جاء تفاعل التلفزيون مع الحدث مفتقراً لأهم مميزاته وهي لغة الصورة، التي كانت ستوفر عليه كثيراً من هذه الجهود المهدرة، لو أن كثيراً من معدِّي تقارير الاحتفال بذكرى البيعة، تمتِّع بالحد الأدنى من الاحترافية الفنية، التي تتمتع بها هناء العمير! 2 : عدد التعليقات