بناة الدين

Abstract

بناة الدينعزيمة خادم الحرمين الشريفين عزيمة ليست للوقت الحاضر، بل هي من عزائم المستقبل والمستقبل البعيد. فقد يسّر الله لهذا المسجد العظيم ملكاً يصرف عليه بسخاء. ومن يضمن لنا المستقبل عندما تقل الموارد، أو تتغيّر الرؤى والإدارات؟ مرّ علينا في التاريخ الإسلامي عدد من الخلفاء والسلاطين الذين سخروا جزءاً غير يسير من بيت المال لتشييد المنشآت الدينية، مثل: المساجد والمرافق العامة ذات الصبغة الدينية. وقد خلد التاريخ أولئك القادة، وخلد منشآتهم، بل أضحى بعضها رمزاً من رموز التراث الإنساني مثل: المسجد الأقصى، والجامع الأموي، وجامع أحمد في استانبول، وجامع قرطبة، ومساجد القاهرة في عصور الإسلام المختلفة وغير ذلك كثير. أما العناية بالحرمين الشريفين فهذه لها قصة أخرى طويلة وماتعة. مكانة الحرمين الشريفين لا تدانيها مكانة، لدرجة أنهما حظيا بعناية ومتابعة كل خلفاء وملوك وسلاطين المسلمين منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب حتى عهد خادم الحرمين الشريفين. ومشاريع التوسعة في الحرمين وجدت معارضة تعلو وتخفت، وتبرز وتختفي، لكن تيسير الله لمن يتصدى لعمارة الحرمين وخدمتهما جعل المعارضة تموت في مهدها. ثم بعد إتمام المشروع تنفتح قلوب المعارضين وعقولهم لها، ويرون أنها عزيمة مُيسّرة. والتاريخ يقول لنا إن أي مشروع ديني ضخم مثل: مسجد قرطبة أو المسجد الأموي قد شهد أصواتاً لا تحبذ الصرف المالي الكبير، ولا تحبذ المساس بالمنشآت المحيطة بالتوسعة، ولا تحبذ هدم معالم دينية أو تاريخية لصالح التوسعة. هذا أمر متوقع. ونحن نحسن الظن بمن كان لديه رأي آخر يخالف ما عليه رأي الجمهور أو يتقاطع سلباً مع عزيمة الباني. التوسعة التي عزم عليها خادم الحرمين الشريفين لا تخرج عن هذا السياق، ذلك أنها ستكلف خزينة الدولة مبلغاً كبيراً جداً، وذلك لأنها ستتقاطع مع مفاهيم دينية أو مذهبية، وذلك أنها ستزيل معالم تاريخية. لكن البناء عزيمة لا يقدم عليها إلاّ من يسر الله له الأمر، وكان ذا بصيرة وديانة ومحبة لشعائر الله، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر شعائر الإسلام. أما أن التوسعة ستكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة فأقول إن المشاريع الدينية لا تنسجم أو تنتظم مع طرائق المحاسبة الدنيوية من مقدار التكلفة، والمردود المالي، والجدوى الاقتصادية، والعمر الافتراضي إلى غير ذلك من تشقيقات الاقتصاديين. ولو دخلت لما قام مسجد قرطبة الذي استغرق....