لا يعرف الشوق إلا من يكابده !

Abstract

m_dukair@yahoo.com تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، انعقد في رحاب جامعة الملك عبد العزيز نهاية الأسبوع الماضي المؤتمر العالمي السابع للاقتصاد الإسلامي. وهكذا يعود هذا المؤتمر إلى المكان الذي انطلق منه قبل نحو 30 عاما بعد رحلة تنقل فيها بين عدد من الدول الإسلامية. يعود هذا المؤتمر إلى البلد الذي انطلق منه في شهر صفر من عام 1396هـ، عندما احتضنت هذه الجامعة أول مؤتمر للاقتصاد الإسلامي في عهد الملك خالد بن عبد العزيز ـ رحمه الله. ويا لها من مسيرة! لا يعرف الشوق إلا من يكابده! الذين يجهلون تاريخ مسيرة الكفاح في مجال دراسات الاقتصاد الإسلامي، لا يمكنهم أن يتصوروا نوع ومستوى التحديات وطبيعة الصعوبات التي اكتنفت هذه المسيرة منذ بداية انطلاقها. كانت حلما صعبا فأضحت حقيقة ماثلة للعيان! كانت مشوارا مملوءا بالتحديات الفكرية والشكوك الاجتماعية والمعوقات التنظيمية, فأصبحت هذه الدراسات صرحا شامخا مثمرا قابلا للتطبيق، ومصدرا لحلول اقتصادية عملية والأهم أنها متوافقة مع قواعد الشريعة وضوابطها. كانت أهم توصية في المؤتمر الأول قبل نحو 30 عاما، هي أن تتبنى جامعة الملك عبد العزيز إقامة مركز متخصص لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، يعمل على استقطاب وتجميع ورعاية المختصين والعلماء وتنظيم جهودهم وأبحاثهم لخدمة هذا التخصص، وقد كان ولله الحمد! ومع الزمن أصبح لهذا المركز شهرة عالمية مرموقة، وغدا أحد أهم مفاخر هذه الجامعة نظرا لريادته وسبقه وتفرده ولإنجازاته التي وصلت إلى آفاق المعمورة. وقد احتفت بهذه الإنجازات بعض الدوريات العلمية الصادرة من مؤسسات علمية وبحثية عريقة كجامعة هارفارد في الولايات المتحدة. وما زلت أذكر كيف كان ضيوف الجامعة من كبار المفكرين والعلماء ورجال المال والمصارف في الشرق والغرب يحرصون على أن يتضمن برنامج زيارتهم لجامعة الملك عبد العزيز، زيارة مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي. انعقد اللقاء السابع لهذا المؤتمر لمناقشة محورين رئيسين, أحدهما نظري تأصيلي والآخر عملي تطبيقي. أما المحور الأول فأتى تحت عنوان 30 عاما من البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي. فبعد ثلاثة عقود من عمر هذه المسيرة يأتلف جمع نخبوي من المتخصصين والمفكرين ليراجعوا مسيرة هذه الجهود من الناحية المنهجية والمستوى المعرفي والمعوقات العملية وكذلك الرؤية المستقبلية لهذه المسيرة. وفي حين تقدم لتغطية هذه المجالات نحوا من 200 بحث، اختارت اللجنة العلمية منها فقط 25 بحثا ليتم طرحها ومناقشتها في المؤتمر. أما المحور الثاني التطبيقي، فجاء تحت عنوان حلول وتطبيقات لقضايا اقتصادية معاصرة وهو عنوان لا يخلو من الجاذبية عند المهتمين والمختصين، لأنه يغطى مجالات التمويل والاستثمار، التأمين التعاوني، والأوقاف والعمل الخيري. والجميل في هذا المحور أن المشاركات جاءت تطبيقية من مؤسسات وشركات تجارية ومصرفية وبيوت خبرة واستشارات مالية متميزة وذات تجارب ناجحة على المستويين المحلي والدولي. لذلك سيكون الحوار والنقاش محصورا في تجارب تطبيقية بعينها تمثل بالفعل حلولا عملية لقضايا اقتصادية معاصرة. ومن هذه القضايا على سبيل المثال مسألة إدارة الاستثمار المؤسسي في إطار الضوابط الشرعية. وسيتم عرض نموذج متطور يوضح منهجية توزيع الأصول وفقا للنوع والقطاع الاقتصادي والنطاق الجغرافي، مع توضيح كيفية قياس أداء المديرين باستخدام مؤشر استرشادي متوافق مع الشريعة، وذلك بالنسبة لكل نوع من الأصول. ومثل هذه النماذج يمكن أن تكون ذات نفع كبير للمؤسسات التي تهتم ببرامج الاستثمار طويلة الأجل كصناديق التقاعد، وهيئات الاستثمار العامة، والمؤسسات الوقفية الكبيرة كأوقاف الجامعات والمستشفيات ونحوها من المؤسسات التي تتعامل مع هذا النوع من الاستثمار المؤسساتي طويل الأمد. أستطيع أن أؤكد من خلال عملي ومراقبتي اللصيقة لهذه المسيرة، أن في مقدورنا أن نطور مختلف الصيغ المالية والمصرفية ومختلف التنظيمات المؤسساتية البديلة التي يمكن أن تقدم حلولا عملية مبتكرة ومتوافقة مع ضوابط الشريعة في جانب فقه المعاملات. كل ما نحتاج إليه هو الإيمان الصادق بأهمية رعاية ودعم مؤسسات ومراكز البحث العلمي لما لها من دور حاسم في حل مشكلاتنا وتطوير حياتنا. إن ميزة هذه المراكز أنها تقدم حلولا مناسبة لطبيعة مشكلاتنا، وليست حلولا من نتاج تفكير الآخرين. كم من نشاط بحثي مهم احتاج للدعم فتعثر ولم يجده, بينما تفيض الأموال على أنشطة قليلة الأهمية في حياتنا! هذا هو أحد الفروق المهمة بين الذين أصابوا حظا من التقدم، والذين بقوا في مكانهم المتخلف بين الحضارات. أستاذ الاقتصاد ـ جامعة الملك عبد العزيز