أزمة غياب المصداقية

Abstract

أزمة غياب المصداقية ربما كانت إحدى مميزات الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي تميزه عن كثير من الزعامات، هي أن ما يقوله بلسانه هو ما يؤمن به في قلبه. لذلك يفاجأ كثير من المراقبين، الذين لم يدركوا هذه الحقيقة بمواقفه وطروحاته الواضحة والصادقة، وكان حديثه أمام مجلس الشورى السعودي يصب في الاتجاه نفسه، فلقد كان صريحا وواضحا وسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، حين تحدث عن خطر الطائفية وحددها بالصراع السني والشيعي في الشرق الأوسط، ولكنه لم يكتف كما يفعل غيره بالحديث عن الآخرين، بل بدأ بنفسه وبلده، حين قال وبلغة صريحة إن «تأجيج الصراعات المذهبية بين السنة والشيعة في المملكة وإحياء النزعات الإقليمية واستعلاء فئة في المجتمع السعودي على فئة يناقض تعاليم الإسلام وسماحته». إنها الحقيقة التي يجب أن يدركها كل العرب، فاللغة الطائفية المتوحشة التي تنتمي إلى الجاهلية الأولى، وعقلية الاستعلاء على الآخر، ورفض التعايش واستخدام العنف بدلا من الحوار، والقتل باسم الدين، هي سمات انتشرت في أكثر من قطر عربي وتسببت في هذا النزيف الذي يشهده العراق ولبنان، وفي عمليات الإرهاب في المغرب والجزائر واليمن وغيرها..! علينا أن نعترف بأن إحدى مشكلاتنا السياسية هي أن هناك من زعمائنا من يقول شيئا ويفعل نقيضه، ينطق بلسانه الخير ويضمر في قلبه غير ذلك، مشكلتنا أن انعدام الصدق جعلنا نخوض حرب تفسير النوايا، وهي حرب عبثية وإضاعة للجهد والوقت، والإنسان عندما يقول شيئا ويفعل نقيضه فهو يخلق حالة من انعدام الثقة لدى الآخرين، وهي مسألة تنطبق على المواطنين العاديين، فكيف إذا مارسها من هم في موقع المسؤولية، ومن هم معنيون بإدارة شؤون الدول والشعوب. لقد عانى العرب من غياب المصداقية ومن رفع الشعارات الكاذبة، التي ترفع لتخدير الجماهير وإشغالها، ولم تكن النوايا صادقة، ولذلك انتقلنا من هزيمة لأخرى، ومن كارثة لأخرى. ما يستحق أن نقف أمامه في كلام الملك عبد الله بن عبد العزيز هو المصداقية، فكل الزعماء الذين تعاملوا معه يدركون أن ما يقوله على لسانه هو ما يؤمن به في قلبه، وليت هذا السلوك يكون القاعدة، وتكون ازدواجية الشخصية هي الاستثناء، لأنه ولو كان الأمر كذلك، لما وصلنا إلى هذا الدرك من الأزمات وهذه الحالة المأساوية من الاحتراب.