الهدر عدو التنمية .. عدو الإصلاح

Abstract

تاريخ الإنسانية، كما هو معروف للجميع، هو تراكم حضاري. ومعنى التراكم الحضاري: أن كل جيل من أجيال الإنسانية ينتج حالة متطورة ومتقدمة على ما قبلها لتبنى الحضارة وترتقي البشرية. ورغم بطء التطور الحضاري في القرون السالفة، إلا أن الخمسين سنة الأخيرة من القرن العشرين أنتجت مقدارًا من التراكم الحضاري والتقدم ما يوازي عدة قرون مضت. والقرن الحالي حبلى سنواته بتطور أكثر تسارعا في مجالات الاكتشافات والاختراعات والوصول إلى مناطق جديدة في هذا الكون. إن كل ذلك جرى وسيجري لأن العالم توصل إلى الطرق العلمية، من خلال الآلة ثم الالكترونيات، لمكافحة الهدر في الوقت والجهد والمال، ذلك أن الهدر عكس التراكم ونقيضه. إن مقدار تقدم الأمم، في نهاية الأمر، يقاس بمقدار تخلصها من الهدر. ما أقصده بالهدر هنا هو صرف المجهودات والثروات والأوقات لمجتمع ما بدون أن ينتج قيمة أعلى من كل زمن ومجهود ومال صرفه مهما صغر حجمه فكل زمن أو جهد أو ثروة ذو قيمة والفعل الحضاري يتطلب أن تنتج قيمة أعلى بشكل تراكمي بالضرورة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف نتفاعل كمجتمع مع قيمة الوقت والجهد والثروة؟ بمعنى آخر هل يستخدم مجتمعنا وقته وجهده وثرواته بشكل فعال ومثمر أم أنه يمارس الهدر بشتى صنوفه؟ تعالوا نرى حالة التعليم في بلادنا مرة أخرى ونرى مقدار الزمن والجهد والثروة التي يصرفها المجتمع على التعليم بدءا بالمدارس وأوقات كل الجيل الجديد والمدرسين وأوقاتهم وجهودهم ورواتبهم وأوقات الآباء والأمهات وقلقهم المستمر على أبنائهم وغيرها من الجهود المبذولة والأموال المصروفة والتي تخرج في نهاية الأمر جيلاً بعد إثني عشر عاما غير مؤهل للعمل ومواجهة الحياة. ترى هل هذا فعل حضاري أم ممارسة للهدر؟ تعالوا ننظر لأنفسنا في تعاملنا اليومي والحياتي مع أوقاتنا ضاقت أم اتسعت ثرواتنا قلت أم كبرت ومع مجهودنا اليومي، هل نستثمر كل ذلك من أجل ولأجل تراكم حضاري مادي وثقافي وفني وأدبي أم أن ثرواتنا وأوقاتنا ومجهوداتنا سائبة؟ تعالوا ننظر لمعظم الدوائر الحكومية ونرى مقدار الزمن الضائع من وقت العمل والإنتاج والذي يقدر بالمليارات للذين يعرفون قيمة الجهد والوقت والثروة، هذا الزمن الضائع يجر معه ضياع أوقات وجهود آخرين، واولئك مرتبطون بغيرهم ليدخل المجتمع في دوران وصرف للوقت والجهد الضائع. في المقابل ولنرَ مثالا إيجابيا في مجتمعنا يقدم صورة مغايرة في محاصرة....