مدن الأحلام والكوابيس
الخلاصة
علاقة أهل المدن أو النازحين إليها من اتجاهاتها الأربعة طلباً للرزق علاقة مشبعة بالحنين، مسكونة بالأحلام والتطلع، الذين واكبوا نهضتها يدركون جيداً كيف اهتزت وربت وأنبتت أحياء جديدة، لكنهم حتماً لا يفهمون كيف تصبح مدينة شاسعة كالرياض التي تقدَّر مساحتها بثلاثة أضعاف سنغافورة بحد ذاتها أزمة أو بمعنى أصح كابوساً لقاطنيها، هذا الكابوس الذي بات الناس يحملونه معهم أنى اتجهوا في مساربها ودروبها الفسيحة التي تشي باستحالة امتلاك سكن، فيما الواجهات البراقة تخطف العيون، وعلامات الماركات العالمية تستفز الجيوب الخاوية، وكأن المدينة الحلم صُممت على مقاس أناس ذوي مواصفات خاصة، لم تتلوث جيوبهم برائحة الريال أو المئة المعطوبة جراء كثرة التداول.هنا لا تسعني المساحة المحددة لي لاستعراض كيف ينقسم المواطنون إلى ملاك تقدر نسبتهم بـ20 في المئة، ومستأجرين بنسبة 80 في المئة، طبعاً هؤلاء مواطنون رفعوا الأعلام احتفاء باليوم الوطني، ورقصوا وهم يحبون - صدقاً - الملك عبدالله، وحزنوا على وفاة سلطان الخير، وصفّقوا ابتهاجاً بتولي الأمير نايف ولاية العهد، وهم مستعدون دائماً للتنقل ما بين خطي الفرح والحزن من أجل ولاة الأمر، نسوا على مر السنين في زحمة التصفيق والتصفير أن ثمة أناساً يبتلعون المساحات الشاسعة، ويسوِّرون حتى أراضي البراري أو «المكاشيت» التي كانت لا تساوي رملها حصباءها، هم لم يسألوا البتة عن «قروش» العقارات الذين لا يملأ بطونهم حتى التراب، لأنها تستبطن الخوف وتستوجب الحذر، وربما يجوز لنا السؤال عن هؤلاء القضاة الذين مرروا هذه الصفقات العقارية المشبوهة، لا أريد أن أكرر ما يقال عنهم من أنهم يقتطعون نسبتهم قبل مهر الصكوك بتوقيعاتهم وأختامهم المباركة «فظليمة المسلم شينة»، المهم أن الأراضي ابتلعت بصكوك شرعية.يبقى المواطن مواطناً يحلم بأن يملك منزلاً وينعتق من نسبة الـ80 في المئة المفجعة ذات الدلالات المستقبلية المخيفة، والاستغراب يكمن في حساسية تعاطينا مع هذا الملف الساخن بشكل مبالغ فيه، وكأننا نتحدث عن محظورات سياسية، فيما السكوت عنه هو المحظور بعينه؛ فليس كل سكوت يعني الرضا، فثمة سكوت أو هدوء مستتب يسبق عاصفة هوجاء، فيلم «منوبولي» - على رغم ضعفه نصّياً - أثار ضجة، وقوبل بالتصفيق الحار، يا لضآلتنا! ألهذا الحد يبلغ بنا الخور في مناقشة قضايانا بشفافية عالية حتى نبحث لنا عن متنفس بسيط يعبِّر عنا....
الرابط
مدن الأحلام والكوابيسالمصدر-الناشر
صحيفة الحياة الطبعة السعوديةرقم التسجيلة
752804النوع
مقالرقم الاصدار - العدد
17757المؤلف
محمد المزينيتاريخ النشر
20111116الدول - الاماكن
السعوديةالرياض - السعودية