الملك والمسعى.. كيف ينتصر حب الخير على التقليد

Abstract

في تلك العربة البيضاء التي كان يركب فيها خادم الحرمين قبل أيام وهو يسير في المسعى بعد أن تمت توسعته كانت ملامح الملك وهو يتفقد ما تم إنجازه تختلف كثيرا عن ملامحه وهو يتفقد مشروعا هنا أو هناك، كانت تعليقاته وأسئلته وتوضيحاته تشير إلى أن حالة من الرضا والارتياح تشع في قلبه وهو يرى كيف تتحول خدمة بيت الله الحرام من كونها مجرد إضافات وتعديلات يسيرة إلى مشروعات تهدف ليس لخدمة فقط لخدمة الطواف أو الحج كشعيرة ولا لخدمة الحاج والمعتمر فحسب، بل لخدمة روح الإسلام وعالميته، إضافة إلى أنها تعكس روح التطور والانطلاق التي يفترض أن تكون صفة ملازمة للإسلام وعالميته واحتياجاته الجديدة والمتنامية. كانت تعليقات الملك حفظه الله في تلك الجولة مختلفة بالكامل عنها حين يفتتح مدينة اقتصادية أو مشروعا تنمويا، كان يحمد الله كثيرا، ويؤكد أن هذا منه وإليه، أي من نعم الله ولوجه الله، ذلك أن الحج والعمرة بمختلف شعائرها حين تتحول إلى كدر وهم وزحام واختناقات بشرية إنما تؤثر وبشكل سلبي في طريقة نظر الناس لهذه الفعالية الدينية العظيمة، وتخرجهم من حالة الاحتفاء بها إلى حالة الخوف منها وانتظار انتهائها بسلام، وهو ما يجعلها شعائر تعيش من الضيق والحرج أكثر مما تعيش من الانطلاق والراحة. لكن خلف توسعة المسعى رؤية أكثر انطلاقا من كونها مجرد توسعة لمكان، فلقد ظل الحج وظلت العمرة يداران فقهيا من خلال رؤى تشدد على الناس ولا تيسر عليهم، فيما بدأت بالظهور رؤى فقهية جديدة وواعية تجعل هدفها الأبرز التيسير على الناس في أداء مناسكهم، والحوادث التي كانت تشهدها حالات رمي الجمارات ليس بسبب ضيق في المكان أو نقص في التجهيزات أو خلل في الترتيب لكن بسبب أن بعض الفقهاء الذين يتشددون في الرمي يرون ضرورة أن يحدث في وقت واحد وفي ساعة واحدة، وقد نقل بعض الحجاج أن وعاظا ينادون بالناس أن يبكروا بالرمي ويحثوهم على ذلك وهو ما يسبب التدافع والاختناقات ويجسد حجم المشقة التي يعاني منها الحاج حين تتم إدارة الحج فقهيا من خلال رأي واحد متشدد لا مكان فيه للتيسير والتسهيل على الناس. قريبا من ذلك ما شهدته الساحة الفقهية من خلاف حول توسعة المسعى، إذ كانت الغالبية الفقهية وخاصة أصحاب الرؤى الفقهية الواعية والمتجددة وبالاعتماد على أدلة فقهية حقيقية يرون انتفاء كل الموانع التي تقف ضد تنفيذ هذه الفكرة، وبالإضافة إلى المبررات التي استندوا عليها....