يوم البيعة .. أصالة الماضي ومأسسة الحاضر واستشراف المستقبل

Abstract

يشكل يوم البيعة علامة فارقة وبارزة تضاف إلى تاريخ مضيء ومُلهم في سلاسة انتقال الحكم السعودي من جهة، وفي التآزر والالتفاف الشعبي حول القيادة من جهة أخرى. يوم مميز تختلط فيه مشاعر الوداع والدعاء الصادق بمشاعر الثقة والامتنان لما منّ به الله على هذه البلاد من أمن واستقرار. قصر الحكم وإن اختلف الزمان وتعاقبت الأيام، يظل قصر الحكم في الرياض المكان الشاهد على مراسم البيعة لملوك المملكة. وفيه تمتزج الأماني وتتصافح الأيادي معلنة انطلاق عهد جديد، يستلهم من الراحلين المؤسِّسين تاريخهم وعطاءهم، ومن الحاضرين طموحاتهم وآمالهم. ليتوافد المواطنون مقدمين البيعة لمليكهم وقادتهم بنفوس راضية وعقول عازمة على مواصلة المسير يدا بيد وقلبا بقلب على نهج كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولقد تفرَّدت الحضارة الإسلامية، بحسب كثير من المؤرخين، عن مثيلاتها من الحضارات الإنسانية بهذا النظام الذي قَدَّمته للمسلمين وغير المسلمين نظام البيعة. واللافت للنظر أن الحضارات السابقة لم تعرف نظام البيعة على الإطلاق، فإذا كانت البيعة تعني المبايعة والطاعة، فإنها من جانب آخر تعني إشراك الرعية في المنظومة السياسية الحاكمة. البيعة مصطلح إسلامي، وحقيقتها أنها عقد من طرفين بين الحاكم والرعية، عقد بالتزام الحاكم بإقامة الدين وتطبيقه، وسياسة الدولة، وعقد بالتزام الرعية بالسمع والطاعة، ولكل من الطرفين واجبات وحقوق كفلتها الشريعة الإسلامية، قال تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}. يقول ابن كثير في تفسير الآية: أي أن الله ماض معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم. وللبيعة ثمار على الفرد والمجتمع، فهي تحقق لزوم جماعة المسلمين في التزام البيعة وعدم مفارقة الجماعة، والمحافظة على المصالح العامة والخاصة، إلى جانب أن عقد البيعة فيه صلاح الناس والبلاد، ووقاية المسلمين بأنفسهم من الفتن. أول بيعة ولقد كانت البيعة منذ فجر الحضارة الإسلامية؛ حيث بايع النبي صحابته أكثر من بيعة: كبيعتي العقبة الأولى والثانية، وكذلك بيعة الرضوان، وكانت كل طوائف المسلمين يُبايعونه، فمن الرجال الذين بايعوا رسول الله عدد لا يمكن حصره، ومن النساء العدد الجم، وقد أحصى الإمام ابن الجوزي عدد من بايع النبي من النساء،....