غسل الكعبة .. عادات متوارثة وأعراف ثابتة منذ 1420 عاما

Abstract

لأكثر من 1420 عاما، ظلت عملية غسل الكعبة في قلب الحرم المكي مهمة ينبري لها سنويا كبار القادة والولاة المشرفون على هذه المنطقة التاريخية التي تهفو إليها قلوب 1.2 مليار مسلم. فمنذ فتح مكة في العام الهجري العاشر بدأت عملية غسل الكعبة تأخذ شكلا منظما على يد الرسول الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وتعاقبت أيادٍ كثيرة تشرفت بأداء هذه السنة النبوية وصولا إلى العهد السعودي، حيث تشرف الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة أخيرا بهذه المهمة الكريمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبحضور زعامات وشخصيات إسلامية بارزة. الأجواء التي ترافق عملية الغسل وفق الأعراف السعودية تبدو منسجمة بشكل كامل مع السياق التاريخي لهذه الثقافة الإسلامية الممتدة لـ14 قرنا، إذ يُدعى كبار القوم عادة إلى هذا الشرف العظيم، فيما تحدد المملكة الشخصيات الإسلامية المشاركة وفق أعراف دبلوماسية عليا يتم تحديدها، غير أن هذا الشرف دائما ما تحظى به أسماء بارزة على صعيد الفعل الإسلامي طوال تاريخ المملكة، بدءا بالملك عبد العزيز مؤسس البلاد القائمة على احترام الدين وجعله منهاج حياة، مرورا بملوك المملكة، ووقوفا عند الأمير خالد الفيصل، وضيوف المملكة لهذا العام الرئيس السوداني عمر البشير، والدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى جانب كبار المسؤولين السعوديين. وتتولى المملكة توفير كل مستلزمات عملية غسل الكعبة المشرفة، التي تتم مرتين سنويا، في شعبان استعدادا لشهر رمضان المبارك، وفي أواخر ذي القعدة عشية الحج، ويبدأ تجهيز المستلزمات من ماء الورد والعود وخلافه من العطور ليبدأ الغسل بماء زمزم، ومسح جدران الكعبة بقماش قطني فاخر مبلل بماء زمزم المخلوط بماء الورد. ولا تقتصر عملية الغسل على التنظيف فحسب، بل تُضمخ الجدران بدهن العود مع الساعات الأولى من النهار الأول لشهر شعبان. وجرت العادة تاريخيا وفقا لحسين باسلامة مؤلف كتاب (تاريخ الكعبة) أن يأتي صباح اليوم المعين لغسل الكعبة رئيس سدنة الكعبة إلى الحطيم بعد شروق الشمس بوقت قصير ومعه السدنة من آل الشيبي، فيفتح باب الكعبة ثم يأتي أتباع السدنة بغلال فيها ماء الورد، وقوارير فيها عطر الورد، وبالمباخر والعنبر، والعود، والند، ويؤتى بالأزر، وتكون غالبا من النوع الذي يسمى (بالشال الكشميري). ويضيف باسلامة واصفا مشهد الغسل التاريخي (حتى عام 1935) بعد تحضير الأدوات اللازمة داخل الكعبة المشرفة يحضر المدعوون لغسل الكعبة داخل الكعبة، ويأخذ كل واحد منهم إزارا فيرتديه، ثم يحمل المكنسة ويباشر الجميع غسل الكعبة بماء زمزم مضافا إليه ماء الورد، ثم بعد إتمام غسل أرض الكعبة وبعض أطراف جدارها السفلى يباشرون مسح جدارها إلى ارتفاع قامة الإنسان بماء الورد أولا ثم يطيبونها بعطر الورد، ويوضع ذلك في طاسات من معدن أبيض أو بلور، وبعد انتهاء عمل الطيب بالعطر يضمون العنبر، والعود، والند، في مباخر بديعة فاخرة وتبخر بها عموم أطراف الكعبة وجميع جوانبها بعد تجفيف أرضها بالإسفنج. ويتولى السعوديون منذ أواسط القرن الماضي جميع المهام المتعلقة بالحج والعمرة، حيث شهدت العقود الماضية تطورات كبيرة في هذا المجال على مستوى الإمكانات والتجهيزات، غير أن البعد التاريخي ما زال حاضرا على مستوى حفظ الموروث الثقافي والسنن الدينية المتبعة منذ فجر الإسلام الأول، لعل أكثرها بروزا هي تلك السنة المتبعة بغسل الكعبة.