الملك .. بناء مجد الأمة بعقول أبنائها

Abstract

الملك .. بناء مجد الأمة بعقول أبنائهاكلمة الاقتصادية يستطيع المال أن يشق الطرق وأن يبني الأنفاق والجسور وناطحات السحاب، وأن يحول واجهات المدن إلى لوحات باهرة من الرخام والزجاجيات، غير أن كل هذه الأهداف على أهميتها تبقى ناقصة ما لم يتم استثمار المال في الإنسان أولا وقبل كل شيء بوصفه ركيزة أي نهضة حقيقية، يُراد لها الاستمرار والديمومة والابتكار. الملك عبد الله، الذي شهدت على يديه موازنة المملكة أرقاما فلكية .. استطاع أن يوازن وبكل دقة ما بين بناء الإنسان ودعم وتعزيز البنى التحتية للوطن، بل لعله اختار أن يوظف تلك الوفورات المالية في استثمار الطاقات الوطنية السعودية، وهو المنهج الذي لم يكن طارئا على أجندته القيادية، خصوصا بعدما أعلن ـ رعاه الله ـ في حفل افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وبما تمثله من توجه علمي يستهدف بناء الإنسان بنفس عالمي يتجاوز كل الأطر والجغرافيات الضيقة إلى مستويات أممية، أن هذه الجامعة كانت تمثل حلما نورانيا راوده على مدى ربع قرن، وهو الأمر الذي لم يكن مستغربا على الرجل الذي استطاع أن يؤسس من داخل مؤسسة الحرس الوطني العسكرية على مدى كل هذه السنوات لواحدة من أهم التظاهرات الفكرية والثقافية والتراثية على مستوى الوطن العربي من خلال مهرجان الجنادرية.. مما يعني أن هذا التوجه هو جزء من شخصيته القيادية التي آمنت بأن البناء أيّا كان عسكريا أو اقتصاديا أو عقاريا لن يأخذ نصيبه من النضج، ما لم يكن مدعوما ببناء علمي وفكري وثقافي طموح يسمو بالإنسان إلى أبعد قيم المعرفة، وينمّي مطامحه وتطلعاته المشروعة بما يجعله منتجا فاعلا للحضارة لا مجرد مستهلك لها، وهو ما ترجمه ـ يحفظه الله ـ عمليا عبر اهتمامه الكبير بنشر التعليم العالي، وتوزيعه على كامل مساحة الوطن، دون أن يكون مرتبطا بالتصنيف ما بين مدينة ومحافظة، ليكون في متناول الجميع كالماء كالهواء. ولم يتوقف الأمر عند هذه النقطة، حيث تجلت هذه الروح المتوثبة التي تمنح العلم والبحث العلمي أولويته المستحقة، باتجاه بناء الجيل بمستلزمات الوعي.. لتمتد هذه العناية لتشجيع القطاع الخاص على تأسيس كراسي البحث العلمي في الجامعات، والدفع باتجاه الابتعاث بشكل موسع لأهمّ وأعرق الجامعات العالمية، من خلال مشروع الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، الذي ضمّ ولأول مرة رقما لافتا لحضور الفتاة السعودية، انطلاقا من إيمانه العميق بأن تنمية المجتمعات لا يُمكن أن تتم ما لم تحلق بجناحيها الرجل والمرأة على حد سواء، وفق أطر الثوابت الدينية والأخلاقية الأصيلة، ثم الحفاوة الملكية الكريمة بالمنجز العلمي، الذي تمثل حديثا بتقليد البروفيسورة والعالمة السعودية: خولة الكريع، الحاصلة على جائزة هارفارد للتميز العلمي، وكبيرة علماء أبحاث السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، في رسالة بالغة الدلالة على دعم هذا المسار المضيء الذي سيأخذ الوطن حتما إلى مصاف الدول المتقدمة التي تنتج المعرفة، وتسهم في استقرار ورخاء البشرية. ولا تزال تتوالى مزون هذه العناية الملكية تباعا ضمن متوالية لا تهدأ ولا تتوقف، فبعد أيام قليلة من صدور قرار مجلس الوزراء لإعادة تنظيم التحاق الطلاب بالجامعات والكليات الأهلية والتعليم الموازي في المملكة، وإعادة ضوابط الإلحاق بالبعثة للطلاب السعوديين الذين يدرسون على حسابهم الخاص ممن لديهم طلبات إلحاق بالبعثة لجميع التخصصات في البلدان العربية، على أن يقصر الإلحاق بالبعثة التعليمية للجامعات والكليات في الدول العربية على الجامعات التي لديها اتفاقيات مع وزارة التعليم العالي، ثم تحمل الدولة الرسوم الدراسية لـ (50%) من أعداد من يقبلون سنويا في الجامعات الأهلية في الداخل وممن لم يتم استيعابهم في الجامعات الحكومية.. صدرت الموافقة السامية على تمديد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لخمس سنوات قادمة، لتسجل للتاريخ واحدة من أهمّ خطوات البناء التي تستثمر في أعز وأغلى أرصدة الوطن عبر شبابه، وفي أضخم عملية استنهاض علمي يشهدها الوطن على يد قائد البناء والإصلاح وحامل لوائه العلمي خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله. وهكذا تستمر قافلة بناء الأجيال ومستقبل الأمة صعودا ببصيرة القائد الحكيم الذي آثر أن يجعل الناس يضربون أجمل موعد مع المجد الحقيقي في مخرجات هذه المشاريع في عقول أبناء الوطن وبناته، على أن يكتفي بالمجد القريب الذي يمكن أن يبنيه المال بالطوب والخرسانة في المدى القصير.