رؤية ملك

Abstract

د. زيد علي الفضيل لن أكون مبالغًا حين أقول بأن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد كان سبَّاقا في استشعاره لخطر الفتنة الطائفية، والتشرذم الفكري، وممارسة دكتاتورية المعرفة، على أي مجتمع بوجه عام، وعلى تفاصيل مشهدنا الثقافي وطيفنا الاجتماعي بوجه خاص، لذلك فقد جاءت خطواته الحثيثة لبناء حالة التقارب بين مختلف أطياف مجتمعنا الفكرية مبكرة، عبر عديد من القرارات التي كان على رأسها تشجيعه لممارسة الحوار البيني من جهة، ورفضه الصريح لكل ألفاظ الإقصاء التي يمكن أن يستخدمها طرف ضد آخر؛ وكان أن أثمر هذا التوجه الإصلاحي التنويري عن نتائج إيجابية عديدة، بانت مآثرها على سطح العلاقات الاجتماعية البينية من جانب، وظهرت ملامحها البناءة على كثير من الكتابات، التي مثلت انعكاسًا نفسيًا آمنًا لدى العديد من الأطياف والتيارات الفكرية والمذهبية في بلادنا؛ ولاشك فإن ذلك قد عزز من لبنات الوحدة الوطنية، التي لا جدال حولها بشكل قطعي عند كل الأنفس من الماء إلى الماء. وواقع الحال فلم يقتصر دوره البناء على تفعيل آلية الحوار الفكري ضمن المحيط الوطني، بل كان متعديا بفعله إلى محيط عالمنا الإسلامي، حيث ولأول مرة في التاريخ الإسلامي يتم الإقرار بثمانية مذاهب إسلامية مُعتبَرة في وثيقة بلاغ مؤتمر مكة المكرمة لمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية في العام 2005م، وكانت رؤيته في حينه واضحة أشد الوضوح حين قال في كلمته الختامية أمام جميع الوفود: “لقد جاءت قراراتكم بداية لصفحة مشرقة جديدة من تاريخ الأمة، وصفحة من التسامح والمحبة والاتحاد، تفتح أبواب الأمل للمستقبل لكل مسلم ومسلمة في مشارق الأرض ومغاربها». بهذه الروح الصافية أبان خادم الحرمين الشريفين عن رؤيته التي شدد فيها على تأكيد هوية التسامح والمحبة والوسطية في الإسلام، وأكدت على حتمية رفض ومحاربة الغلو والتطرف والانغلاق، من خلال ما يتوجب من مراجعة للخطاب الديني بوجه عام، وعبر الاهتمام بمسودة المناهج المدرسية وتطويرها بما يكفل التقدم والنماء لمجتمعاتنا، ومن خلال توسيع دائرة الخط المذهبي للمسلمين، وتعميق الإيمان بفقه الاختلاف، والابتعاد عن جريرة التكفير والتفسيق والتضليل، والمكرس للقبول بحتمية التنوع والتقارب. وبلا جدال فإن في ذلك دليلًا على مبلغ النضج الفكري المانع من تكرار شرر الاقتتال الطائفي الذي عاشته الأمة في أزمان سابقة، ذلك أن الدراسات....