جامعة الملك سعود في يوبيلها الذهبي

Abstract

صيف العام 1387هـ. كان مشتعلا بشكل لم يسبق له مثيل في المنطقة، كيف لا، وفيه وقعت حرب الايام الستة، أو حرب النكسة، أو حرب الرجعية العربية ضد شقيقتها التقدمية، أو سمها ما شئت من اسماء تلك المرحلة الملتهبة. ولحظنا السيئ كنا نجتاز وقتها امتحان الخلاص من الثانوية العامة للخلوص إلى الجامعة، حلمنا الكبير. كنت وزملاء كثر نذاكر على وقع موجات راديو القاهرة وصوت العرب وإذاعة لندن، نتتبع أخبار الحرب. الأذكياء منا لجأوا إلى حصوات الحرم الشريف والمساجد القريبة للمذاكرة، ومن ثم نتقابل جميعا صبيحة اليوم التالي في صالة الاختبار منهكين مستنزفين. انتهت الحرب على غير خير، إلا أن الاختبارات انتهت على خير، ولله الحمد، ربما لأننا، عكس أهل الحرب، لم نكن نرجئ عمل اليوم إلى الغد، ولم نركن إلى استعدادات اللحظة الأخيرة. كنت أريد أن اهرب من جلدي وقتها، ثم سمعت عن جامعة الرياض (الملك سعود حاليا) من زملاء سبقوني إليها، فيممت شطرها، برغم وجود كليتي الشريعة والتربية بمكة المكرمة. لم يتح لي تخصصي الأدبي خيارات كثيرة في الجامعة، إما كلية الآداب أو التجارة (العلوم الإدارية حاليا) كان هناك خيار من نوع آخر، هو جامعة الملك عبد العزيز الأهلية التي افتتحت أبوابها ذلك العام، بتمويل الأهالي وتبرعات رجال الأعمال، إلا أن موعدي مع هذه الجامعة، التي ولدت عظيمة، لم يكن قد حان بعد كما يبدو، فاستخرت الله تعالى ثم توجهت للتسجيل بجامعة الرياض مصطحبا معي رضى الوالدين ودعاءهما. كما توقعت، وجدت نفسي في بيئة دراسية مختلفة، لم تكن هذه جامعة الملك سعود لك التحية في يوبيلك الذهبي والعرفان بدورك التنويري أول رحلة اغتراب، فقد سبق، أثناء اليفاعة، أن ابتعثني الوالد، تغمده الله بواسع رحمته، مع اثنين من إخواني، على حسابه وعلى فتات خبزه، للدراسة بمصر، إلا أنها هذه المرة تحدث في الشباب، وما أدراك ما انطلاق الشباب وما يحتاجه من قنوات ووسائل تفريغ، وجدتها ميسرة متاحة في جامعة الرياض. كانت الوجوه مختلفة متباينة، كان منا القبلي والحضري، وكان فينا الفقير والغني، وكان فينا المثقف المطلع وكان فينا أيضا خريج الثانوية فقط. لعبت جامعة الرياض، إذا استثنينا ارامكو، أول دور وطني في إذابة الفوارق الاجتماعية بيننا، كانت بمثابة البوتقة التي صهرتنا فصرنا أخوة متحابين يجمعهم التنافس الشريف. عشنا سنين عزابا في الرياض، ولم ألحظ الحدة التي أراها اليوم....