وقائع جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي

Abstract

منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في بداية التسعينيات من القرن الماضي والعرب قد اختاروا هذا الخيار السلمي وقرروا المضي قدما فيه إلى آخر المطاف وقد ترجموا ذلك على الأرض فعليا من خلال اندفاع الأردن أولا بعقد اتفاقية منفردة للسلام مع إسرائيل تمت على إثرها إعادة العلاقات وتبادل السفراء . وبعد ذلك بفترة بسيطة بادر الفلسطينيون وبتشجيع كامل من الكثير من الأطراف العربية الى عقد اتفاقية أخرى منفردة أيضاً مع الطرف الإسرائيلي انتقلت بعدها القيادة الفلسطينية إلى الداخل وشرعت في بناء و تأسيس ما سمي بالسلطة الفلسطينية , ولم يكتف العرب بذلك بل و باعتبارهم اتخذوا السلام خياراً استراتيجياً غير مؤقت ولا ربط له بالواقع العربي الآني المتردي فقد أصر الكثير منهم على دفع هذه العملية من خلال الشروع في عملية تطبيع شاملة للعلاقات السياسية و الاقتصادية و الثقافية مع الكيان الإسرائيلي من خلال تبادل السفراء سياسياً أو عبر إنهاء مظاهر المقاطعة الاقتصادية وعقد اتفاقيات تجارية وتبادل للبضائع والسلع مع الدولة العبرية وفتح مكاتب تمثيل تجاري إسرائيلي في كثير من الدول العربية التي لم تقم علاقات سياسية مع إسرائيل على الصعيد الاقتصادي . وعلى الصعيد الثaقافي فقد بادر العديد من النخب والرموز المثقفة العربية بالإضافة إلى العديد من الصحفيين والإعلاميين إلى تبني هذه العملية والإيمان بها والدفاع عنها وعن الأنظمة العربية التي اختارتها كثيرا والسعي الدؤوب للتسويق لها وتشجيع شعوب المنطقة إلى قبولها والقناعة بها عبر منابرهم الفكرية وكتاباتهم وتحليلاتهم السياسية في الصحافة والإعلام . وحتى بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ( انتفاضة الأقصى ) التي كشفت عن الغضب العارم الذي اجتاح الشارع الفلسطيني نتيجة شعوره باليأس والإحباط بعد كل المراوغات الإسرائيلية وعدم رغبة حكومة العدو الجدية في تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع القيادة الفلسطينية رغم التنازلات الكبيرة التي قدمتها هذه القيادة للإسرائيليين ، إلا أنه ومع ذلك فقد بادر العرب مجددا إلى التأكيد على اتخاذهم السلام قرارا مصيريا من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي أطلقها في القمة العربية المنعقدة في بيروت في أوائل هذا العقد والتي وافق عليها جميع الدول العربية وتبنتها رسميا في تلك القمة . اليوم خلاف الأمس لكن ما يجري اليوم على الأرضين الفلسطينية واللبنانية من قتل وتدمير للبنية التحتية في كل من فلسطين ولبنان واندفاع الآلة العسكرية الإسرائيلية بهذه الوحشية والشراسة غير المسبوقة في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي في حرب ضروس مكشوفة بدأتها في غزة منذ قرابة الشهر والنصف ولم تنته ليومنا هذا وخلفت إلى الآن ما يزيد على الألف شهيد والآلاف من الجرحى والمنكوبين والمليون من المشردين والنازحين وخسائر مالية واقتصادية قد تصل في مجملها إلى عشرة مليارات دولار في حال وضعت الحرب أوزارها حالا ! هذه الأحداث المـأساوية الكبرى التي تعايشها الشعوب العربية وبالخصوص الأجيال الناشئة منها التي لم تعايش عملية السلام ولم تر أي مظهر من مظاهرها منذ أن بدأت تفهم وتعي ما يجري من حولها بل تشاهد اليوم عكسها ونقيضها من عدوان همجي بربري لا يبقي ولا يذر تتفاعل معها إلى درجة أنني أكاد أجزم وأقطع بان الأحداث هذه قد أرجعت عقارب الساعة إلى الوراء كثيرا ، وأن السلام المزمع والمؤمل لم يمت ويفشل كما أفاد بذلك الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى فقط بل إن النظرية المقابلة لخيار الصلح والسلام مع إسرائيل قد برزت مجددا وتعززت وتر سخت ألا وهي خيار التصدي والمقاومة للغطرسة الإسرائيلية ، وهذا بالضبط ما ذهب إليه البيان الثاني الصادر من الديوان الملكي السعودي الذي قال صراحة باحتمال اتجاه المنطقة إلى المزيد من الحروب إذا لم توقف إسرائيل طغيانها وعدوانها فورا. وما يؤكد وجهة نظري أيضا هو ما يحصل في لبنان حاليا من دعم والتفاف كبيرين حول المقاومة على الصعيدين الشعبي والرسمي بالرغم من الجدل الكبير الذي شهدته الساحة اللبنانية في بداية هذه الأحداث الذي أعقب عملية أسر الجنديين الإسرائيليين وتبرؤ الحكومة اللبنانية رسميا منها ، ولكن مع تعاقب أيام العدوان وتفاقم الأوضاع الإنسانية وبعد كل تلك المجازر الوحشية وتكشف النوايا الصهيونية الحقيقية لهذه الحرب الغادرة تبدلت المواقف وتغيرت المعادلات في الداخل اللبناني أولا ومن ثم على الصعيدين العربي والدولي أيضا لصالح المقاومة.